مريم أم المسيح
من النساء العظيمات المباركات عند الله وعند الناس السيدة مريم ابنة عمران أم المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام.
وعمران طبعا هو غير عمران والد موسى عليه السلام، لأن بين موسى وعيسى مئات السنين إن لم تكن الألوف، كما أن هارون في قوله تعالى يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء هو غير هارون الذي هو أخو موسى عليهما السلام.
كان عمران والد مريم رجلا عظيما أيضاً في بني “اسرائيل” إلا أنه لم يكن نبيا، وكانت امرأته عاقرا لا تلد، فطلب من الله ان يرزقه ولدا ونذر أن يجعله متفرغا لخدمة الهيكل.
لكن كانت المفاجأة عندما حملت زوجته ووضعت أنثى، عندئذ قالت امرأة عمران: “رب إني وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم وإني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم” (الآية رقم 36 من سورة آل عمران).
يقول المؤرخون: يبدو أن عمران توفي ومريم صغيرة، لذلك فإنها احتاجت إلى من يكفلها، فيقول القرآن: “فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا، وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب” (الآية رقم 37 من سورة آل عمران).
يفهم من هذا ان الله تولى رعاية مريم لأنه أرادها أما لنبي الله عيسى، لكن لا كأي أم، فتربت عند زوج خالتها، وكانت مريم مجتهدة في العبادة، مما أهلها لأن تكون مصطفاة من بين النساء.
عندئذ بشرتها الملائكة بأن الله سوف يهبها ولدا ذكرا، واسم الولد عيسى ويكون نبيا ورسولا.
استغربت السيدة مريم البتول التي لم تجالس الرجال أبدا، كيف تحمل وكيف تلد، والحمل لا ينشأ إلا من التقاء الذكر والأنثى. قالت الملائكة: لا تفكري في هذا الأمر، فالله يخلق من يشاء وما يشاء بأمر كن فيكون بإذن الله.
كانت قد فرغت نفسها لخدمة الهيكل، لكن أحست في نفسها بأنها تحب العزلة فانفردت، وفي عزلتها جاءها جبريل الذي نفخ فيها من روح الله فحملت وهي تقول أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا؟
وعندئذ زادت مشكلتها فقالت: كيف أواجه الناس الآن؟ وجاءتها بعد ذلك آلام الولادة وقاست حتى تمنت الموت.
هنالك أمرها الله ان تلجأ إلى النخلة التي قامت بدور القابلة والأم الحنونة، فغذتها من رطبها الذي خفف عنها آلام الولادة.
لكن وقعت في مشكلة اخرى هي أن الطفل الذي تحمله إلى الناس يكون مثار طعن في شرفها، فقال لها الله لا تتكلمي واتركي الطفل نفسه يبرئ ساحتك فهو آية من آياتي.
وبالفعل نطق وهو في المهد وقال: “إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا، وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا، وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا”.
أقول: إن حياة مريم وولادة عيسى من غير أب تلفتان نظرنا إلى أن:
1- الله قادر على أن يخلق الإنسان من غير أب ومن غير أم كما خلق أبانا آدم عليه السلام، وقادر ايضاً على أن يخلق الانسان من غير أب كما خلق عيسى عليه السلام، وقادر على أن يخلق الإنسان من غير أم ايضاً، كما خلق أمنا حواء من ضلع آدم.
2- إيجاد مخلوق من غير أب أسهل من ايجاد مخلوق من غير أب ولا أم، بمعنى أن الغرابة في خلق آدم ينبغي أن تكون اكثر.
3- حمل مريم وولادة عيسى سميناهما حملا وولادة، لكن لا يشبهان حمل وولادة أي منا بدليل أن الملك تولى ذلك، والقرآن لم يفصل أدوار الحمل والولادة مما يعني أن المطلوب أن نؤمن بقدرة الله فقط.