يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” (186).
في هذه الآية الكريمة يوضح الحق سبحانه وتعالى أن العباد إذا حافظوا على فرائضه، واستجابوا لأوامره، وابتعدوا عن نواهيه، فإنه عز وجل لا يرد لهم طلبا ولا يخيب لهم رجاء.

وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايات منها ما روي أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقريب ربنا فنناجيه أي ندعوه سرا أم بعيد فنناديه؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية.
وروي أيضا عن الحسن البصري قال: سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والمعنى: وإذا سألك عبادي يا محمد عن قربي وبعدي فقل لهم: إني قريب منهم بعلمي ورحمتي وقدرتي وإجابتي لسؤالهم.

قريب رحيم

فقوله تعالى “فإني قريب” تمثيل لكمال علمه تعالى بأفعال عباده وأقوالهم واطلاعه على سائر أحوالهم.
ولم يصدر الجواب ب “قل” أو فقل كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى نحو “ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا” بل تولى سبحانه جوابهم بنفسه إشعارا بفرط قربه منهم، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات.

الدعاء المستجاب

وقوله تعالى: “أجيب دعوة الداعي إذا دعاني” تقرير للقرب وتحقيق له ووعد للداعي بالإجابة متى صدر الدعاء من قلب سليم، ونفس صافية وجوارح خاشعة، ولقد ساق لنا القرآن في آيات كثيرة أمثلة لعباد الله الذين توجهوا إليه بالسؤال، فأجاب الله سؤالهم، ومن ذلك قوله تعالى: “ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له” وقوله تعالى: “وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه” وقوله تعالى “وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر”.

وجاء في الحديث الشريف ما يدل على أن العبد إذا دعا الله تعالى بما فيه خير، لم يخب عند الله دعاؤه، ولكن لا يلزم أن يعطيه سبحانه ما طلبه نفسه، لأنه هو الأعلم بما يصلح عباده. روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل إليه دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها”.

طريق إلى رحمة الله

وقوله تعالى: “فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” توجيه منه سبحانه إلى ما يجعل الدعاء مرجو القبول والإجابة.

والمعنى: لقد وعدتكم يا عبادي بأن أجيب دعاءكم إذا دعوتموني، وعليكم أنتم أن تستجيبوا لأمري، وأن تقفوا عند حدودي، وأن تثبتوا على إيمانكم بي، لعلكم بذلك تصلون إلى ما فيه رشدكم وسعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة، وأمرهم سبحانه بالإيمان بعد الأمر بالاستجابة، لأنه أولى مراتب الدعوة، وأولى الطاعات بالاستجابة.

وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن فضل الدعاء عند الله تعالى يسبق كل فضل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء”.

وأرشدنا عليه الصلاة والسلام في حديث آخر إلى أن الإكثار من الدعاء طريق إلى رحمة الله ورضوانه فقال: “من فتح له باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ولا يرد القضاء إلا الدعاء، فعليكم بالدعاء”.

وأمرنا صلى الله عليه وسلم أن نستعين بالله تعالى في كل أمورنا صغيرها وحقيرها فقال: “ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع”.