ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ودبشير ارض الشمال

اسلاامي / اجتماعي / ثقافي / رياضي/ برامج والعاب / اكواد دعم منتديات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  صفحتنا على الفيس بكصفحتنا على الفيس بك  

 

 رواية عرس الزين-3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 795
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
العمر : 68
الموقع : wadbashir.2morpg.Com

رواية عرس الزين-3 Empty
مُساهمةموضوع: رواية عرس الزين-3   رواية عرس الزين-3 Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:48 pm

بعد ذلك توالت الخوارق معجزة تلو معجزة . بشكل يأخذ بللب . لم تر البلد في حياتها عاما رخيا مباركا مثل ( عام الحنين ) عام أخذوا يسمونه صحيح أن أسعار القطن ارتفعت ارتفاعا

منقطع النظير في ذلك العام وإن الحكومة لأول مرة في التاريخ سمحت لهم بزراعته بعد أن كان ذلك وقفا على مناطق معينة في القطر ( محجوب وحده ، وباعتراف منه ربح أكثر من ألف

جنيه من قطنه ) ، وصحيح أيضا أن الحكومة لغير ما سبب أو لسبب خفي لا يعلمونه ، بنت معسكرا كبيرا للجيش في الصحراء على بعد ميلين من بلدهم ،والجنود يأكلون ويشربون ، فانتعشت

البلد من توريد الخضروات واللحوم والفواكه واللبن للجيش حتى أسعار التمر ارتفعت ارتفاعا ليس له نظير في ذلك العام ، وصحيح أيضا أن الحكومة هذا المخلوق الذي يشبهونه في

نوادرهم بالحمار الحرون ، قررت لغير ما سبب ظاهر أيضا أن تبني في بلدتهم - دون سائر بلدان الجزء الشمالي من القطر وهم قوم لأحول لهم ولا طول ، ولا نفوذ ولا صوت يتحدث باسمهم في

محافل الحكام - قررت الحكومة أن تبني في بلدهم ، دفعة واحدة مستشفى كبيرا يتسع لخمسمائة مريض ، ومدرسة ثانوية ومدرسة للزراعة ومرة أخرى عادت الفائدة على البلد ، في الأيدي

العاملة ومواد البناء وتوريد الغذاء ناهيك بأن مرضاهم سيضمنون العلاج وإن أبناءهم سينالون حقهم من التعليم ، وإذا كانت كل هذه الأدلة لا تكفي ، فكيف تفسر بأن الحكومة هذا (

الحمار الحرون ) في اعتقادهم ، قررت أيضا في العام ذاته ولم يمض على وفاة الحنين أكثر من شهرين أن تنظم أراضيهم كلها في مشروع زراعي كبير تشرف
عليه الحكومة نفسها بمالها من قوة وسلطان ؟ وجدوا بلدهم فجأة تعج بالمسا حين والمهندسين والمفتشين والحكومة إذا عزمت على أمر فإنها قادرة على تنفيذه فما هو إلا يوم في أثر

يوم وشهر يعقبه شهر، حتى قام على ضفة النيل في بلدهم بناء شامخ من الطوب الأحمر مثل المعبد يلقي ظلاله على النيل ، وبعد ذلك بقليل ، بين لغط العاملين وقرقعة الحديد إذا بعجلات

ذلك المارد تدور ، وإذا بمصاصاته تشفط من ماء النيل ، كما يشفط الرجل الشاي ، في لمح البصر ، كميات لا تقوي عليها عشرات من سواقيهم في عشرات الأيام ، وإذا بالأرض على اتساعها

من ضفة النيل إلى طرف الصحراء يغمرها الماء بعضها أراض لم تر الماء منذ أقدم السنين. وإذا بها تموج بالحياة ، كيف تفسر هذا ؟ عبد الحفيظ يعلم السر ، فهو يقول لمحجوب ، وهو

يجمع بين عينيه الحقل الواسع الذي هو حقله والريح تلعب بالقمح فتثني صفوفه فكأنه حوريات رشيقة تجفف شعرها في الهواء ( معجزة يا زول . ما في أدني شك) .
جلس الطريفي خلسة في مقعده بعد أن حدث الناظر بخبر عرس الزين ، جلس خلسة على طرف مؤخرته كأنه يتهيأ للهروب في أية لحظة ، فقد كان في سمته وطبعه شيء من سمت الضبع وطبعه .

ونظر حوله بعينيه الماكرتين ، وهمس في أذن جاره من اليمين : ( نجينا الليلة من الجغرافيا ، أشارطك الناظر ما يتم الحصة ) . وكما تنبأ الطريفي أعلن الناظر في صوت فاتر غير

مكترث أنه خارج لأمر عاجل : ( راجعوا الدرس بتاع منطقة زراعة القمح في كندا ) ، وخرج في خطوات متوترة ، وراقبه الطريفي ، وهو يحاول ألا يهرول حتى وصل باب فناء المدرسة ، وضحك

الطريفي بخبث حين رأى الناظر يمسك بذيل عباءته في يده ، ويهرول مكبا على وجهه في الرمل .
ووصل الناظر إلى دكان شيخ علي في السوق ، لاهث النفس ، جاف الحلق ، إذ أن المدرسة لم تكن قريبة كل القرب من السوق وبينها وبينه رمل تغوص فيه القدم ، والناظر قد جاوز الخمسين

، كان دكان شيخ علي في السوق مقره المفضل . سر لما رأي عبد الصمد أيضا فقد كانت بينه وبينه صداقة مريرة ،لا يطيب له المجلس أو لعب الطاولة بدونه . وكان بينه وبين المتجر

مقدار عشرة أمتار لكنه لم يطق صبرا . فبدأ يتحدث وهو مقبل عليهما : ( شيخ علي ، حاج عبد الصمد ،السنة دي سنة العجايب دا كلام أيه دا ؟ ) وأوصلته الجملة عندهم ، فأجلسوه على

مقعده المفضل ، مقعد وطي من خشب وحبال عليه مسند وله متكآت على جانبيه :
وكانت القهوة ما تزال ساخنة ، تفوح منها رائحة القرفة والحبهان والجنزبيل ، أمسك بالفنجان وقربه إلى فمه ، لكنه لم يلبث أن رده وقال : ( الخبر دا صحيح ؟ ) .
وضحك عبدالصمد وقال للناظر : ( كدى أشرب القهوة قبل تبرد . الكلام صحيح
قال الشيخ علي وهو يحرك التبغ الممضوغ من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر في فمه ( حكاية عرس الزين موكدي ؟ صحيح وأبوه صحيح كمان ) .
وشفط الناظر شفطة كبيرة من الفنجان ،ثم وضعه على منضدة صغيرة أمامه وأشعل لنفسه سيجارة شد منها نفسا عميقا ( يا رجل دي سنة غريبة جدا ، وألا أنا غلطان ؟ ) لم يكن الناظر

يستعمل عبارة ( زول ) أي ( شخص ) كبقية أهل البلد، بل كان يقول ( رجل ) في بداية جملة .
وقال عبد الصمد : ( كلامك صحيح جناب الناظر ، سنة عجيبة فعلا النسوان القنعن من الولادة ولدن ، البقر والغنم جابت الاثنين والثلاثة ) . وواصل حاج علي تعداد المعجزات التي حدثت

ذلك العام : ( تمر النخيل كثير لا من غلبنا من الشولات النشيلة فيها الثلج نزل . داكلام ! الثلج في ذلك العام شيئا حيرهم جميعا . ولم يستطع الناظر مع طول باعه في علم

الجغرافيا أن يجد له تعليلا ، وقال الناظر : ( لكين المعجزة الكبرى موضوع زواج الزين ) -هذه كانت عادته ، يزج الكلمات الفصحى في حديثه .
وقال شيخ علي : ( الواحد ما يكاد يصدق ) كان الناظر يعديه هو وعبد الصمد بكلماته الفصحى ، فيحاولان مجاراته .
وقال عبد الصمد : ( كلام الحنين ما وقع البحر ، قال له باكر تعرس أحسن بت في البلد ) .
وقال الناظر : ( أي نعم والله . أحسن بنت في البلد إطلاقا ، أي جمال ! أي أدب ! حشمة !)
وقال عبد الصمد مستفزا : ( أي فلوس ! أنا عارفك كت خات عينك عليها عشان مال أبوها ) واحتد الناظر وهو يرد التهمة عن نفسه : ( أنا خاف الله يا رجل هذه في عمر بناتي(
وقال شيخ علي يسري عنه : ( عمر بناتك إيه يا شيخ ؟ الراجل راجل حتى في أرزل العمر ، والبنت من سن أربعتاشر قابلة للزواج من أي راجل ولو كان زي جنابك في الستين ) .
( خاف الله يا رجل ، أنا في الخمسين ، أصغر منك ومن عبد الصمد قطع شك ) .
وقهقهة عبد الصمد قهقته المشهور من جوف صدره وقال : ( طيب بلاش موضوع العمر ، أيه رأيك في حكاية عرس الزين ؟ )
وقال الناظر : يا رجل دا موضوع مدهش . ازي حاج إبراهيم يقبل ؟ الزين رجل درويش ماله ومال الزواج ؟ ) .
وأضاف شيخ علي أيضاً : ( رحمة الله عليه . جاب لنا الخير في البلد ) . وقال عبد الصمد : ( وكله عشان خاطر الزين .
وقال الناظر : ( يا رجل ما دخلنا في موضوع الكرامات ؟ لكن برضه ...)
وقاطعه شيخ علي : ( مهما يكون ، الراجل راجل والمره مره ) .
وأضاف عبد الصمد : ( والبت بت عمه على كل حال) .
صمت الناظر ، فإنه لم يجد ما يرد به على كلامهما - من الناحية الشكلية على الأقل : فكون بنت العم لابن العم حجة ليس بعدها حجة في عرف أهل البلد ، أنه تقليد قديم عندهم ، في

قدم غريزة الحياة نفسها ، غريزة البقاء وحفظ النوع . لكنه في قرارة نفسه كان مثل آمنة . يحس بلطمة شخصية موجهة له ، وأحس برهة بارتياح : أن علي وعبد الصمد لا يعلمان بأنه

فاتح حاج إبراهيم في أمر نعمة لو علما إذا لما استطاع أن ينجو من لسانيهما السليطين . وسأل نفسه وهو يشرب الفنجان الخامس من قهوة شيخ علي ، لماذا طلب يدها ؟ فتاة صغيرة في

سن بناته . أنه لا يدري تماما . لكنه رآها ذات يوم خارجه من الدار ، ترتدي ثوبا أبيض . صادفها وجها لوجه . راعه جمالها سلم عليها بصوت مرتعش فردت سلامة بصوت هادئ رزين . قال

لها : ( أنت نعمة بنت حاج إبراهيم ؟ ) فقالت دون تردد أو وجل : ( نعم ) وبسرعة بحث في ذهنه عن سؤال آخر يستبطئها به قبل أن تذهب فلم يجد خيرا : ( أخوك أحمد كيف حاله ؟ ) -

كان هذا أخاها الأصغر الذي كان من تلاميذه . فقالت له ووجهها الجريء قبالة وجهه : ( طيب ) ثم ذهبت ... وعاش الناظر بعد ذلك ليالي وصورتها لا تفارق ذهنه . لعلها أيقظت في قلبه

إحساسا دفينا . لم يذكره منذ عشرين عاما . وأخيرا لم يقو على الصبر فانتهز وعكة خفيفة ألمت بأبيها فذهب إليه بحجة عيادته . وجده وحده لحسن حظه ، وبعد حديث سطحي عن أسعار

القمح وحال المدرسة ، دخل الناظر في الموضوع ، وبسرعة طلب يد نعمة من أبيها ، لم يفهم حاج إبراهيم شيئا أول الأمر ، أو لعله تغابى فاستوضح الناظر في جملة أو جملتين حزا في

نفسه قال له أولا : ( داير نعمة لي منو ؟ ) فقال الناظر بشيء من العجرفة : ( لي منو ؟ أنا طبعا ) . وكأنما حاج إبراهيم غرس خنجرا ثم ضغط على مقبضه ليثبته أكثر في قلبه حين

قال له : ( ليك أنت ؟ ) خلاصة القول أن زيارته كانت خطأ فادحا . وحاول حاج إبراهيم أن يخفف عنه الوقع فألقى خطبة طويلة عن الشرف الذي أسبغه عليه الناظر بطلبه وأنه خير صهر

له وو ... لكن ، وهذا هو المهم ، لكن الفرق بين سنة وسن البنت يجعله لا يستطيع أن يقبل ، فهو بهذا لا يرضي ضميره ، ثم أن أخوانها سيعترضون ، وأخيرا حاول الناظر ملافاة الضرر ،

فاستحلف حاج إبراهيم إلا يذكر شيئا مما دار بينهما لمخلوق ، وأن يعتبر الأمر كأن لم يكن . ( نحفر حفرة وندفنه في محله دا).
وكان حاج إبراهيم عند حسن ظنه . لكن الناظر في قراره نفسه ، على الرغم من اقتناعه بخطئة ، لم يستطع أن يتخلص من الطعم المر في حلقه ، ولما سمع بأنها ستزف للزين دون سائر

الناس أحس ، الخنجر ينغرس أكثر في قلبه ، وذعر الناظر قليلا حين سمع عبد الصمد يقول له : ( جنابك ما تزعل أبدا ، إذا كنت عاوز تعرس . البلد مليانة نسوان عزبات ، المطلقة

والراجلها مات أجمل نسوان علي باليمين) .
وهنا ثار الناظر فعلا . انصب حنقه الداخلي كله على عبد الصمد : ( يا رجل أنت مجنون ؟ أنت ما تعرف تفرق بين الجد والهزار ؟ اما أنت راجل اونطة صحيح ! ) .
وقهقهة عبد الصمد بلذة عميقة ، فقد نجح في استثارة الناظر ، أنه يتصيد هذه الفرص ، لعل الذي آلمه في الموضوع ذكر النساء الثيبات ! وقال شيخ علي يزيد النار اشتعالا : ( يعني

جناب الناظر لما يحب يتزوج فوق أم أولاده . يتزوج نسوان سكندهاند ؟ أما فعلا يا حاج عبد الصمد أنت راجل اونطة صحيح ) .
وتمسك عبد الصمد بكلمة ( سكندهاند ) يغيظ بها علي هذه المرة : ( قت شنو آشيخ علي ؟ سكن دهان ؟ والله عجايب ! عشنا وشفنا علي ود الشايب يتكلم الأفرنجي ) .
وضحك الناظر بإفراط محاولا قدر المستطاع تحويل الهجوم عن شخصه إلى شخص شيخ علي ، لكن شيخ علي كان عليما بنزوات عبد الصمد وحركات الناظر فتجاهل هجوم عبد الصمد وعاد بالحديث

إلى موضوع زواج الزين : ( المهم زي ما قلنا العرس مو قاسي . والراجل راجل وأن كان بي رياله والمره مره وأن كانت شجرة الدر ) .
تعجب الناظر في سره كيف عرف شيخ علي اسم شجرة الدر . ووقع الاسم موقعا حسنا على أذن عبد الصمد وكان جاهلا به لكنه تحرج من السؤال مخافة أن يفضح جهله . ومضى شيخ علي يعدد لهما

أسماء الرجال الذين لم يكن لهم شأن يذكر ومع ذلك تزوجوا نساء بارعات الذكاء مفرطات الحسن . استحوذ على اهتمام خصميه مدة غير قليلة من الزمن . وغمرته السعادة وهو يرى الدهشة

والإعجاب يبدوان على وجهيهما . ذكرهما بقصة كثير الذي أحبته عزة على قصره وبشاعة هيئته . وقصة الأعرابية التي سألوها كيف تزوجت رجلا جلفا قميئا فقالت لهم ( والله لو .. إلخ )

وكاد الناظر وعبد الصمد يستلقيان على ظهريهما من الضحك حين سمعا ما قالته الأعرابية . ثم أشار إلى قبيلة الإبراهيمات الذين انحدروا جميعا من صلب رجل درويش يدعى إبراهيم أبو

جبة، وكيف أنه .. لكن عبد الصمد ضاق ذرعا بطلاوة لسان شيخ علي ، فقاطعه بشيء من الحدة قائلا : ( أنت رايح بعيد ليه لي كثير عزة وقبيلة الأبراهيمات ؟ عندك سعيد البوم .. ماك

طاري حكاية عرسه ؟ ) ابتسم الناظر ، فقد كان بينه وبين سعيد البوم مودة خاصة ، أم لعله كان يستغل سعيد في جلب الحطب والماء لبيته ؟ وكان سعيد يبيع حطب الوقود ويخدم في

البيوت ، ويدخر ماله عند الناظر ، ولما أراد الزواج جاء إلى الناظر واستشاره ، وتباهى بعد ذلك أن الناظر في جلالة قدره شهد عقد زواجه . كل أحد في البلد يعرف قصة زواج سعيد ،

وأنه عاش مع زوجته قريبا من الحلول لا يمسها وكادت تيأس وتطلقه وكان سعيد يقول إذا سألوه عن سبب إبطائه : ( التررن بالمهلة ) . لكنه فيما بعد على أي حال أولدها أولاد وبنات .
وفجأة لمح الناظر في خياله وجه نعمة ، ومرة أخرى أحس بالخنجر يتحرك في قلبه ، فقال وكأنه لم يسمع كل القصص التي قصها عليه شيخ علي وحاج عبد الصمد : ( لكين تتزوج الزين ؟ دا

اسمه كلام يا رجل ؟ والله عجايب ! )
تأثر أمام المسجد أيضا بالحوداث العجيبة التي شهدتها القرية ذلك العام . كان رجلا ملحا حا متزمتا كثير الكلام ، في رأي أهل البلد . كانوا في دخيلتهم يحتقرونه ، لأنه كان

الوحيد بينهم الذي لا يعمل عملا واضحا - في زعمهم . لم يكن له حقل يزرعه ولا تجارة يهتم بها ولكنه كان يعيش من تعليم الصبيان له في كل بيت ضريبة مفروضة ، يدفعها الناس عن غير

طيب خاطر ، وكان يرتبط في أذهانهم بأمور يحلو لهم أحيانا أن ينسوها : الموت والآخرة والصلاة فعلق على شخصه في أذهانهم شيء قديم كئيب مثل نسيج العنكبوت ، إذا ذكر اسمه خطر على

بالهم تلقائيا موت عزيز لديهم ، أو تذكروا صلاة الفجر في عز الشتاء ، وما يرتبط بذلك من وضوء بالماء البارد يشقق الرجلين ، وخروج من الفراش الدافئ إلى لفح الصقيع وسير في

غبش الفجر إلى المسجد . هذا إذا كان الواحد منهم يذهب بالفعل إلى الصلاة . أما إذا كان مثل محجوب ، وعبد الحفيظ ، وأحمد إسماعيل ، والطاهر الرواسي ، وحمد ود الريس ، من

النفر " العصاة " الذين لا يصلون ، فإنه يحس كل صباح بإحساس غامض يثير القلق ، من نوع الإحساس الذي يحسه الواحد منهم إذا نظر خلسة إلى امرأة جاره ، ويقول لك محجوب إذا سألته

عن إمام المسجد أنه " راجل صعب . لا يأخذ ولا يدي " معنى ذلك أنه لم
لن يسايرهم أو يخوض معهم في أحاديثهم - لم يكن يعنيه ، كما يعنيهم ، أوان زراعه القمح وسبل ريه وسماده وقطعه أو حصاده . لم يكن يهمه هل موسم الذرة في حقل عبد الحفيظ نجح أم

فسد ، وهل البطيخ في حقل ود الريس كبر أم صغر ؟ كم سعر أردب الفول في السوق ؟ هل هبط سعر البصل ؟ لماذا تأخر لقاح النخل ؟ كانت تلك أمور ينفر منه بطبعه ويحتقرها بسبب جهله

بها . ومن ناحية أخرى ، كان هو يهتم بأمور لا يأبه لها إلا القليلون من البلد . كان يتتبع الأخبار من الإذاعة والصحف ويحب أن يناقش هل ستقوم الحرب أم لا ؟ هل الروس أقوى أم

الأمريكان ؟ ماذا قال نهرو وماذا قال تيتو ؟ وكان أهل البلد مشغولين بجزئيات الحياة ، لا تعنيهم عمومياتها . وهكذا نشأت الهوة بينه وبينهم لكنهم إن لم يحبوه ، فقد كانوا

يعترفون بحاجتهم إليه . يعترفون مثلا بعلمه ، فقد قضى عشر سنوات في الأزهر ، يقول الواحد منهم : " الإمام ما عنده شغلة " . ثم يضيف : " لكن الحق لسانه فصيح كلام " كان يلهب

ظهورهم في خطبه . وكأنه ينتقم لنفسه منهم . بكلام متدفق فصيح عن الحساب والعقاب ، والجنة والنار ، ومعصية الله والتوبة إليه ، كلام ينزل في حلوقهم كالسم . يخرج الرجل من المسجد

بعد صلاة الجمعة زائغ العينين ويحس وهلة كأن سير الحياة قد توقف ينظر إلى حقله بما فيه من نخل وزرع وشجر ، فلا يحس بأي غبطة في نفسه . يحس أنها جميعا عرض زائل ، وأن الحياة

التي يحياها بما فيها من فرح وحزن ، ما هي إلا جسر إلى عالم آخر . ويقف برهة يسأل نفسه ماذا أعد لذلك العالم الآخر ؟ لكن جزئيات الحياة ما تلبث أن تشغل فكره : وسريعا أسرع

مما كان يتوقع تغيب صورة العالم الآخر البعيد ، وتأخذ الأشياء أوضاعها الطبيعية . وينظر إلى حقله فيحس مرة أخرى بذلك الفرح القديم الذي يعطيه مبررات وجوده . ومع ذلك فأكثرهم

يعودون إليه في كل مرة ليجربوا نفس الصراع الغامض . يعودون إليه لأن صوته قوي واضح وهو يخطب . عذب رخيم وهو يرتل القرآن ، مهيب حين يصلي على الأموات ، حازم عليم ببواطن الأمور

وهو يقوم بعقود الزواج . وكانت في عينيه نظرة احتقار وترفع يحس الواحد منهم وقعها حين يفقد ثقته بنفسه ، كان مثل الضريح الكبير وسط المقبرة



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wadbashir.yoo7.com
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 795
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
العمر : 68
الموقع : wadbashir.2morpg.Com

رواية عرس الزين-3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية عرس الزين-3   رواية عرس الزين-3 Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:51 pm

وكانت البلد منقسمة إلى معسكرات واضحة المعالم إزاء الإمام ( لم يكونوا أبدا ينادونه باسمه ، فكأنه في أذهانهم ليس شخصا بل مؤسسة ) . معسكر أغلبه من الرجال الكبار العقلاء

يتزعمه حاج إبراهيم . أبو نعمة ، يعامل الإمام معاملة ود يشوبه تحفظ هؤلاء كانوا يحضرون كل الصلوات في المسجد ويبدو على وجوههم على الأقل أنهم يفهمون ما يقول . يدعونه إلى

الغداء كل يوم جمعة بعد الصلاة كل واحد منهم يدعوه يوما بالتناوب . كانوا يدفعونه إليه بصدقة الفطر في عيد رمضان ، ويعطونه جلود الذبائح في عيد الأضحى إذا تزوج أحد أبنائهم

أو بناتهم ، أعطوه حقه نقدا ومعه رداء أو ثوب . شذ عن هذا الفريق رجل في السبعين اسمه إبراهيم ود طه . لا يصلي ولا يصوم ولا يزكي ولا يعترف بوجود الإمام والفريق الثاني . وأغلبه

من الشبان دون العشرين يعادي إمام المسجد عداءا سافرا . بعضهم تلاميذ في المدارس . وبعضهم سافر وعاد، وبعضهم يحس على أي حال بفيض الحياة حارا قويا في دمه فلا يحفل برجل

صناعته تذكير الناس بالموت . هذا كان فريق المغامرين - منهم من يشرب الخمر سرا ويلم خفية بالواحة في طرف الصحراء - . وفريق المتعلمين الذين قرأوا أو سمعوا بالمادية الجدلية

، وفريق المتمردين ، وفريق الكسالى الذين يصعب عليهم الوضوء في الفجر في عز الشتاء . ومن عجب أن زعيم هذه الفئة كان إبراهيم ود طه ، الرجل الذي جاوز السبعين ، لكنه كان

يقرض الشعر ، والفريق الثالث ، وقد كان أكثر المعسكرات وزنا فريق محجوب وعبد الحفيظ والطاهر الرواسي وحمد ود الريس وأحمد إسماعيل وسعيد .
كانوا متقاربي الأعمار ، بين الخامسة والثلاثين والخامسة والأربعين ، إلا أحمد إسماعيل فقد كان في العشرين لكنه بحكم مسؤوليته وطريقة تفكيره كان واحدا منهم . هؤلاء كانوا الرجال

أصحاب النفوذ الفعلي في البلد . كان لكل واحد منهم حقل يزرعه ، في الغالب أكبر من حقول بقية الناس ، وتجارة يخوض فيها . كان لكل واحد منهم زوجة وأولاد . كانوا الرجال الذين

تلقاهم في كل أمر جليل يحل بالبلد . كل عرس هم القائمون عليه . كل مأتم هم الذين يرتبونه وينظمونه . يغسلون الميت فيما بينهم ويتناوبون حملة إلى المقبرة هم الذين يحفرون

التربة ، ويجلبون الماء وينزلون الميت في قبره . ويهيلون عليه التراب ، ثم تجدهم بعد ذلك في ( الفراش ) يستقبلون المعزين ، ويديرون عليهم فناجين القهوة المرة ، إذا فاض

النيل أو أتاهم سيل فهم الذين يحفرون المجاري ، ويقيمون التروس ، ويطوفون على الحي ليلا وفي أيديهم المصابيح يتفقدون أحوال الناس ، ويحصرون التلف الذي أحدثه الفيضان أو

السيل . إذا قيل أن امرأة أو بنتا نظرت نظرة فاجرة إلى أحد ، فهم الذين يكلمونها وأحيانا يضربونها ، لا يعنيهم بنت من تكون . إذا علموا أن غريبا حام حول الحي حول المغيب فهم

الذين يوقفونه عند حده . إذا جاء العمدة لجمع العوائد فهم الذين يتصدون له ، ويقولون هذا كثير على فلان ، وهذا معقول وهذا غير معقول . إذا ألم بالبلد أحد رسل الحكومة ( وهم

لا يأتون إلا لماما ) فهم الذين يستقبلونه ويضيفونه ، ويذبحون له الشاة أو الخروف ، وفي الصباح يناقشونه الحساب ، قبل أن يقابل أحدا من أهل البلد ، والآن وقد قامت في البلد

مدارس ، ومستشفى ، ومشروع زراعي ، فهم المتعهدون . وهم المشرفون ، وهم اللجنة المسؤولة عن كل شيء كان الإمام لا يحبهم ولكنه كان يعلم أنه سجين في قبضتهم ، إذا أنهم هم الذين

كانوا يدفعون له مرتبه آخر كل شهر ، يجمعونه من أهل الحي ، كل موظف حكومة يحل بالبلد ، وكل من له حاجة يريد أن يقضيها ، سرعان ما يكتشف هذا الفريق فلا تنجح له مهمة أو يتم

له عمل إلا إذا تفاهم معهم . لكنهم كانوا ، ككل صاحب سلطان ونفوذ لا يظهرون نزعاتهم الشخصية ( إلا في مجالسهم الخاصة أمام متجر سعيد ) ، الإمام مثلا كانوا يعتبرونه شرا لا بد منه

فيحبسون ألسنتهم عن ذمه ما استطاعوا ، ويقومون " بالواجب والمجاملة " كما يقول محجوب . لم يكونوا يصلون ، ولكن واحدا منهم على الأقل كان يحضر الصلاة مرة في الشهر ، إما الظهر

أو العشاء في الغالب فالفجر لا طاقة لهم به - ويكون غرض الزيارة في الواقع شيئا غير الاستماع لعظة الإمام حينئذ يعطون الإمام مرتبه ويتفقدون بناء المسجد إذا كان يحتاج إلى إصلاح

.
وكان الزين فريقا قائما بذاته ، كان يقضي أعظم أوقاته مع شلة محجوب ، بل أنه كان في الواقع إحدى المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاقتهم كانوا يحرصون على إبعاده عن المشاكل

، وإذا وقع في ورطة أخرجوه منها ، كانوا يعلمون عنه أكثر مما تعلم أمه ، يشملونه بعنايتهم وترعاه عيونهم من بعيد . وكانوا يحبونه ويحبهم .
لكن الزين في موضوع الإمام كان معسكرا قائما بذاته ، يعامله بفظاظة ، وإذا قابله قادما من بعيد ترك له الطريق ، ولعل الإمام كان الشخص الوحيد الذي يكرهه الزين ، كان مجرد

وجوده في مجلس يكفي لإثارته . فيسب ويصرخ ويتعكر مزاجه ويتحمل الإمام في وقار هيجان الزين ، ويقول أحيانا أن الناس أفسدوه بمعاملتهم له كأنه شخص ... وإن كون الزين ولي صالح

حديث خرافة ، وأنه لو ربي تربية حسنة لنشأ عاديا كبقية الناس ، لكن من يدري ، لعله هو الآخر أحس بقلب في صدره حين حدجه الزين بإحدى نظراته ، فكل أحد يعلم أن الزين أثير عند

الحنين ، والحنين ولي صالح وهو لا يصادق أحدا إلا إذا أحس فيه قبسا من نور
إلا أن الأمور اختلطت اختلاطا غير يسير في ( عام الحنين ) فإن ( خيانة ) سيف الدين ، أو ( توبته ) ( حسب المعسكر الذي أنت فيه ) ، أضعف فريقا وقوى فريقا . كان سيف الدين بطل

الواحة وفارسها وزعيمها فلما تحول إلى معسكر الأتقياء العقلاء سرى الرعب في قلوب أصدقائه القدامى . كان من ناحية وارثا . فكان هو الذي يدفع ثمن الشراب في غالب الأحيان . وكان

ستارا مفيدا يختفون وراءه في مجونهم ، إذ كانت البلد مشغولة به عنهم ، وكان بعضهم يرى فيه رمزا حقيقا لروح الانطلاق والتمرد . وفجأة انهدت الأرض تحت أرجلهم ، ثم أن سيف الدين

استغل معرفته بخباياهم ، فأصبح أخطر خصم لهم . واشتد ساعد الإمام بسيف الدين . كانت الواحة دائما شغلة الشاغل ، وتقوم في نظره رمزا للفساد والشر ، ونادرا ما كانت تخلو خطبة

من خطبه من ذكرها . والآن وقد عاد سيف الدين إلى جادة الصواب ، فقد زادت خطب الإمام قسوة ، وزادت حملته قوة ، وأصبح سيف الدين المثل الذي يضربه كل مرة على أن الخير ينتصر في

النهاية . لم يحفل الإمام بأن الحنين ، وهو يمثل الجانب الخفي في عالم الروحانيات ( وهو جانب لا يعترف به الإمام ) كان هو السبب المباشر في توبة سيف الدين . معسكر ( الوسط ) ،

جماعة محجوب لم يتأثر كثيرا ، فهم يعتبرون الواحة ، كالإمام سواء بسواء شرا لا بد منه ، ولم يكونوا يأبهون كثيرا إلى أن بعض شبان البلد يسكرون ، ما دام ذلك لا يؤثر على سيرة

الحياة الطبيعي ، لا يتدخلون إلا إذا سمعوا أن شابا سكرانا تهجم على أنثى أو رجل من أهل الحي ، حينئذ يلجأون إلى أساليبهم الخاصة ، التي تختلف عن أساليب الإمام ، وفي تأييدهم

لبقية الناس ، في محاولة تهديم الواحة ، لم يكونوا ينظرون إلى عملهم كما ينظر له الإمام محاولة لتغليب الخير على الشر . لا بل لأن زوال الواحة سيغنيهم عن متاعب عملية ، لا حاجة

لهم فيها . المهم أن الإمام فرح بسيف الدين فرحا عظيما ، أصبح يذكره في خطبه ، يتكلم وكأنه يتحدث إليه شخصيا ، تراه خارجا داخلا معه . وقال أحمد إسماعيل لمحجوب مرة وهو يرى

سيف الدين والإمام يمشيان معا ذراعا في ذراع : ( ود البدوي من الخدم للإمام ) .
وكان للإمام رأي في أمر زواج الزين من نعمة بنت الحاج إبراهيم .
ودخل محجوب دكان سعيد ، ووضع قطعة نقد على الطاولة فأخذها سعيد في صمت وانزل من الرف علبة سجاير بحاري ، ووضعها في يد محجوب ومعها الباقي قطع معدنية صغيرة ، أشعل محجوب

سيجارة شدة منها نفسين أو ثلاثة ثم رفع وجهه إلى السماء وتمعن عليها دون إحساس ، كأنه قطعة أرض رملية لا تصلح للزراعة ، وقال في فتور : " الثريا طلعت . وقت زراعة المريق "

وظل سعيد مشغولا بتفريغ علب من صناديق ووضعها على الرف بعد ذلك تحرك محجوب وجلس قبالة الدكان ، ليس على الكنبة ولكن على الرمل مكانهم المفضل ، حيث ضوء المصباح يمسهم بطرف

لسانه . فإذا ماجوا في ضحكهم أحيانا تراقص الضوء والظل على رؤوسهم ، فكأنهم غرقى في بحر يغطسون ويطفون ، بعد ذلك جاء أحمد إسماعيل يجرجر رجلية كعادته ، واستلقى بظهره على

الرمل قريبا من محجوب دون أن يقول شيئا ، ثم جاء عبد الحفيظ وحمد ود الريس ، وكانا يضحكان لم يسلما على صديقهما ، وهذان لم يسألاهما عن سر ضحكهما ذلك شيء آخر في تلك الفئة .

كانوا يعلمون ، بطريقة ما ، ما يدور في ذهن كل منهم دون سؤال ، وقال محجوب بعد أن بصق على الأرض : " أنتو لسع في حكايات سعيد البوم " ؟ كان أحمد إسماعيل قد انقلب على بطنه

فقال وكأنه يحدث الرمل " " لازم المره عاوزه تطلقه " . وقال عبد الحفيظ في مرح ، أن زوجة سعيد البوم جاءته في الحقل وقالت له وهي تبكي أنها تريد أن تطلق من سعيد . ولما

سألها عن السبب قالت له أن سعيد كلمها كلاما قاسيا في الليلة الماضية وقال لها امرأة " جيفة " - هكذا لأنها لا تتعطر ولا تنزين كبقية النساء . ولما قارعته الكلام ، صفعها على

وجهها وقال لها : " امشي اخدي دروس من بنات الناظر " . وكان الطاهر الرواسي قد وصل أثناء ذلك وجلس في هدوء في المكان الذي لا يصله النور من بقعة الرمل . ضحك وقال : "

المسنوح يمكن قايل الناظر بيعرس له واحده من بناته " . وقال عبد الحفيظ أنه طيب خاطر المرأة ودورها إلى بيتها وقال لها أنه سيجيئهم ليكلم سعيد وفعلا غدا إليهما وقت الظهيرة

. لكنه تريث عند باب الدار ، فقد وجده مغلقا ، وسمع داخله ضحكات سعيد وزوجته ، ضحكات هنيئة منشرحة ، وسمع سعيد يقول لزوجته ، وكأنه يعض أذنها : " ابكي يا خيتي ابكي " .

وضحكوا كلهم : كل واحد منهم على طريقته : أحمد إسماعيل يكركر بضحك يزمجر بين بطنه وصدره . ومحجوب يضحك في فمه ويحدث طقطقة بلسانه ، وعبد الحفيظ يضحك كالطفل . وحمد ود الريس

يضحك بجسمه كله ، وخاصة رجلية والطاهر الرواسي يمسك رأسه بجماع يديه حين يضحك ، وكان سعيد في دكانه ، فضحك ضحكته الخشنة التي تشبه صوت المنشار في الخشب ، وقال محجوب : "

المسنوح كيفن قدر في الحردا ؟ " . واستمر حديثهم هكذا حديث منقطع تتخلله فترات صمت . ولم يكن صمتهم ثغرات في الحديث بقدر ما كان امتدادا له ، يقول أحدهم جملة مبتورة : "

... ما عنده فهم " ويقول الآخر : " ... الفاضي يعمل قاضي " . ويضيف الآخر : " ... زمان قلنا لكم طلعوه من اللجنة قلتولا " . ويقول الآخر : " ... بإذن الله دي آخر سنة ليه " . ولا

يدري الغريب عنهم عمن يتكلمون . لكن ذلك شأنهم ، يتحدثون وكأنهم يفكرون جهارا ، وكأن عقولهم تتحرك في تناسق ، وكأنهم بشكل أو بآخر عقل كبير واحد يمضي الحديث رتيبا مثل هذا

، ثم يذكر أحدهم عرضا جملة أو حادثة تثير خيالهم جميعا في وقت واحد ، وفجأة تسرى فيهم الحياة فكأنهم كومة قش أشعلت فيها النار ، يستوي جالسا الذي كان راقدا على ظهره ، ويضم

الآخر ذراعيه على ركبتيه ويقترب الذي كان جالسا بعيد إلا . ويخرج سعيد من دكانه ، يقتربون بعضهم من بعض حينئذ . كأنهم يتحركون نحو تلك النقطة ، ذلك الشيء في الوسط الذي يسعون

إليه جميعا يميل محجوب إلى الإمام ، وتنغرس يدا أحمد إسماعيل في الرمل ، ويضغط ود الريس بيديه على رقبته . هذه هي اللحظة التي تلمحهم فيها ، بين النور والظلام ، وكأنهم غرقى

في بحر ، وأحيانا يحتدون في كلامهم ، يتشاجرون ، تخرج الكلمات من أفواههم كأنما قطع من الصخر ، تتقاطع جملهم ، يتحدثون في آن واحد ، ترتفع أصواتهم ، في مثل هذه الحالات يظن

الغريب عنهم أنهم غلاظ الطبع ، لهذا تختلف الآراء عنهم ، حسب اللحظات التي يراهم فيها الناس ، بعض أهل البلد يعتبرونهم صامتين قليلي الكلام ، لأنهم يصادفونهم في إحدى تلك

الحالات ، حين يقف حديثهم عند " آ " و " أو " و " لا " و " نعم " . وبعض الناس يقولون عنهم أنهم " ضحاكون " كالأطفال ، لأنهم صادف أن وجدوهم في إحدى حالات غرتهم ، ويحلف موسى

البصير أنه زامل محجوب إلى السوق - مسافة ساعتين بالحمار - فلم يقل له كلمة واحدة . كان الناس يبتعدون عن مجالسهم ، لأنهم حينئذ يحسون إحساس الغريب ، وكانوا هم يفضلون ألا

يكون بينهم غريب ، كانوا كأنهم توائم ، ولكن إذا عاشرتهم مدة تدرك الاختلافات التي تجعل كلا منهم فردا قائما بذاته . أحمد إسماعيل بحكم سنة ، كان أميلهم إلى المرح ولم يكن

يبالي إذا انتشى بالخمر في المناسبات ، وكان أحسنهم رقصا في الأعراس وعبد الحفيظ كان أكثرهم مجاملة للناس الذين لا يفكرون مثل تفكير " العصابة " ، كما كانوا يسمون أنفسهم

ويسميهم الناس ، كان هو الذي ينبههم إلى أن ابن فلان تزوج ، وفلانا مات أبوه ، وفلانا عاد من السفر ( من سكان الأحياء البعيدة عن حيهم ) فيذهبون جماعة في الغالب للتهنئة أو

للتعزية ، وكان أحيانا يذهب للمسجد للصلاة ويحاول ألا يقول لهم ، وكان الطاهر الرواسي أقربهم إلى الغضب وأسرعهم إلى إمساك عصاه ، أو سحب سكينة في أوقات " الزنقة " ، وكان

سعيد أحسنهم في محاججة الحكام ، يسمونه " القانون " . وكان حمد ود الريس ذا أذن حساسة لأخبار الفضائح يجمعها من أطراف البلد ، من الأحياء البعيدة . ويلقيها عليهم في أوقات

معينة في مجالسهم . وكانوا يرسلونه في الغالب لمعالجة مشاكل النسوان في البلد . وكان محجوب أعمقهم وأنضجهم . كان مثل الصخرة المدفونة تحت الرمل . تصطدم بها إذا عمقت في

حفرك . وكانت صلابته تظهر في الأزمات الحقيقة : حينئذ يصير " ريس المركب " ، يأمر وهم ينفذون . جاءهم مرة مفتش جديد للمركز اجتمعوا به مرة ومرتين . تحدثوا إليه ، وتناقشوا

معه . ثم قرروا فيما بينهم أنه غير صالح . وبعد شهر تأزمت الأمور ، فقد قال المفتش لبعض الناس أن " عصابة محجوب " تسيطر على كل شيء في البلد : فهم أعضاء في لجنة المستشفى ،

ولجان المدارس ، وهم وحدهم لجنة المشروع الزراعي ووصل إليهم أن المفتش قال : " ما فيش في البلد رجال غير الجماعة دول ؟ " لما تشاوروا في الأمر بينهم ، كانوا أميل إلى الرضوخ

للامر الواقع ، وبعضهم عرض أن يستقيل من عضوية اللجان التي هو فيها ، ولكن محجوب قال : " ما في إنسان يتحرك من مكانه " ثم لم يلبث المفتش غير شهر آخر حتى نقل كيف تم ذلك ؟

لمحجوب أساليبه الخاصة . في الحالات القصوى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wadbashir.yoo7.com
 
رواية عرس الزين-3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية عرس الزين-2
» رواية عرس الزين-4
» رواية عرس الزين-5
» رواية عرس الزين-1
» الشيخ الزين احمد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ودبشير ارض الشمال :: القسم الثاني اجتماعي :: المكتبة العامة-
انتقل الى: