ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ودبشير ارض الشمال

اسلاامي / اجتماعي / ثقافي / رياضي/ برامج والعاب / اكواد دعم منتديات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  صفحتنا على الفيس بكصفحتنا على الفيس بك  

 

 رواية عرس الزين-2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 795
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
العمر : 68
الموقع : wadbashir.2morpg.Com

رواية عرس الزين-2 Empty
مُساهمةموضوع: رواية عرس الزين-2   رواية عرس الزين-2 Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:56 pm

ولما عاد الزين من المستشفى في مروى حيث ظل أسبوعين كان وجهه نظيفا يلمع . وثيابه بيضاء ناصعة . وضحك فلم ير الناس كما عهدوا سنين صفراوين في فمه ، ولكنهم رأوا صفا من

السنان اللامعة في فكه الأعلى، وصفا من أسنان كأنها من صدف البحر في فكه الأسفل . وكأنما الزين تحول إلى شخص آخر . وخطر لنعمة وهي واقفة بين صفوف المستقبلين أن الزين في

الواقع لا يخلو من وسامة . وظل الزين بعد ذلك زمنا طويلا ، ولا حديث له إلا رحلته لمروى . كان يلذ له أن يجتمع حوله رفاقه القدامى ، محجوب ، وعبد الحفيظ ، وأحمد إسماعيل ، وحمد

ود الريس والطاهر الرواسي ، وسعيد التاجر ، فيحكي لهم ما جرى له . أول ما وصلت يا زول قلعوني هدومي ولبسوني هدوما نظاف .. السرير يرقش . الملايات بيض زي اللبن والبطاطين

والبلاط يزلق الكراع ... " وقاطعة محجوب متحرشا : " خلك من البطاطين والبلاط كرشك الكبيرة ديملوها ليك بي شنو ؟ " وارتجف فم الزين كأنه مقبل على وليمة : " هلا هلا الأكل في

استبالية مروى ولا بلاش . هو عاد جنس أكل . شيتن سمك شيتن بيض شيتن لحم شيتن دجاج " . وقاطعه محجوب مرة أخرى : " الأكل في الاستباليات ما قالوا شوية ؟ كيفن كت بتشبع ؟ " وابتسم

الزين ابتسامة كبيرة مدبرة ، حتى يظهر أسنانه الجديدة : " بحال التمرجية كانت صاحبتي قعد قدام الأكل " . وصاح عبد الحفيظ : " أي لا إله إلا الله ... آمسنوح . كمان مشيت تتعلبس

على التمرجيات ؟ " وارتج جسم الزين بضحك مكتوم : " أي .. أي ... أمانة يا زول مي شافعتن سميحة " . وتدخل ود الرواسي بعد أن كان يستمع ويضحك دون أن يقول شيئا : " عليك

الرسول ‍! الزين كدى وصفها لينا " . والتفت الزين خلفه كأنه يخاف أن يسمعه أحد وخفض صوته : " عليك أمان الله يا زول عليها كبر صلبن " . وانقطع حبل الحديث وقتا . فقد ضج المجلس

بالضحك وحين استجمع حمد ود الريس أنفاسه قال ، ومايزال في صدره بقية من ضحك : " شن سويت معاها آمقطوع الطاري ؟ " واصل الزين حديثه كأنه لم يسمع هذا السؤال الأخير : " بنيتن

سميحة من أمدرمان ، مرها ، ماها مشلخة " . وزحف ود الرواسي قريبا من الزين وأعاد سؤاله بطريقة أخرى : " أنت شن وراك كبر صلبها ؟ " وقال الزين على الفور : ( قالوا لك أنا

عميان ؟ الشي وقت يبقي قدامي مابشوفه ؟ " وكأن محجوب سر من هذا الرد فقال وهو ينظر إلى ود الريس : " الداهي نجيض . ساكت قايلنه عوير ) . ووضع الزين يديه خلف رأسه ومال إلى

الوراء قليلا ، ثم قال ببطء وعلى وجهه ابتسامة خبيثة : " دايرين يا جماعة تعرفو شن سويت لها ؟ " وقال ودالريس بلهفة : " الرسول الزين حدثنا شن سويت لها " . واتسعت ابتسامة

الزين ، ثم فتح فمه ليتكلم ، فانعكس شيء من ضوء المصباح الكبير المعلق في دكان سعيد على أسنانه . وفجأة ، وفي وقت واحد ، قفز محجوب والطاهر الرواسي ، وحمد ود الريس . وصاح

عبدالحفيظ : ( امسكوه ) . لكنه كان أسرع منهم في لمح البصر كان الزين قد أمسك بالرجل ورفعه في الهواء بعنف ثم رماه في الأرض ، ثم شده من رقبته وانكبوا كلهم عليه ، أحمد

إسماعيل أمسك بذراعه اليمنى ، وعبد الحفيظ أمسك بذراعه أليسري، والطاهر الرواسي أمسك به من وسطه . وحمد ود الريس أمسك بساقيه ، وكان سعيد يزن شيئا في دكانه ، فخرج مشرعا

وأمسك بساقي الزين أيضا ، لكنهم لم يفلحوا . . تدفقت في جسم الزين النحيل قوة مريعة جبارة لا طاقة لأحد بها أهل البلد جميعا يعرفون هذه القوة الرهيبة ويهابونها، وأهل الزين

يبذلون جهدهم حتى لا يستعملها الزين ضد أحد . أنهم يرتعدون روعا كل ماذكروا أن الزين أمسك مرة بقرني ثور جامح استفزه في الحقل ، أمسك به من قرنيه ،ورفعه عن الأرض كأنه حزمة

قش وطرح به ثم ألقاه أرضا مهشم العظام ، وكيف أنه مرة في فورة من فورات حماسة قلع شجرة سنط من جذورها وكأنها عود ذرة . كلهم يعلم أن في هذا الجسم الضاوي قوة خارقة ليست في

مقدور بشر : وسيف الدين .. هذه الفريسة التي انقض عليها الزين الآن ، أنه لا محالة هالك واختلطت أصواتهم برهة . كان الزين يردد في غضب ( الحمار الدكر لازم أكتله ) - والحمار

الدكر أقصى ذم يلحقه الزين برجل . وارتفع صوت عبد الحفيظ في توتر وخوف : ( الرسول الزين عليك الله خليه ) . وأخذ محجوب يشتم في يأس . وكان أحمد إسماعيل أصغرهم سنا وأقواهم ،

ولما أعيته الحيلة عض الزين في ظهره . وكان الطاهر الرواسي رجلا مشهورا بقوته ، كان في بحثه عن السمك في الليل يعوم النيل ذهابا وجيئة ويغطس في الماء نصف الساعة فلا ينقطع

نفسه . لكن قوته لم تكن شيئا بجانب الزين . وفي ضوضائهم سمعوا شخيرا يصدر من حلق سيف الدين ورأوه يضرب برجليه الطويلتين في الهواء . وصاح محجوب : " مات كتله " .لكن صوت

الحنين ارتفع هادئا وقورا فوق الضجة : ( الزين . المبروك . الله يرضى عليك ) وانفكت قبضة الزين ووقع سيف الدين على الأرض هامدا ساكنا ووقع الرجال الستة دفعة واحدة . فقد فاجأهم

صوت الحنين وباغتهم الزين بسكوته المفاجئ فكأن حائطا أمامهم كانوا يدفعونه ،أنهد بغتة ، ومضت برهة قصيرة جدا ، مقدار طرفة العين ساد فيها صمت كامل ، لا بد أنه كان صمتا

مزيجا من رعب وحيرة وأمل ، بعد ذلك جاشت الحياة فيهم مرة أخرى وتذكروا سيف الدين ، أنكبت رؤوسهم عليه ، ثم صاح محجوب بصوت فرح مرتعش ( الحمد لله . الحمد لله ) وحملوا سيف الدين

ووضعوه على كنبة أمام دكان سعيد وفي أصوات متوترة خافتة أخذوا يعيدونه إلى الحياة حينئذ فقط تذكروا الزين فرأوه جالسا على مؤخرته ويداه بين ركبتيه مطأطئاًَ رأسه ، وكان

الحنين قد وضع يده على كتف الزين في حنان بالغ ، كان يتحدث إليه في صوت حازم لكنه مليء بالحب : ( الزين المبروك . ليه عملت كده ؟ ) . وجاء محجوب وانتهر الزين ، لكن الحنين

نظر إليه نظرة أسكنته . وبعد برهة قال محجوب للحنين : لو ما كت جيت يا شيخنا كان كتله ، وانضم إليهم أحمد إسماعيل والطاهر الرواسي ، وبقي عبد الحفيظ وسعيد التاجر وحمد ود

الريس مع سيف الدين ، وبعد برهة قال الزين وهو ما يزال مطأطئ الرأس ، مرددا كلام محجوب : " إن كت ما جيت يا شيخنا كت كتلته ، الحمار الدكر ، وقت ضربني في رأسي بالفأس قايل

ماش اسكت له " . لم يكن في صوته غضب ، كان صوته أقرب إلى مرحه الطبيعي منه إلى الغضب ، وسرت في الحاضرين رعشة مرح خفيفة ، لكنهم ظلوا صامتين ، وقال الحنين : " لكين أنت ما

كت غلطان ؟ ) . وظل الزين صامتا ، فقال الحنين مواصلا كلامه ( متين سيف الدين ضربك بالفأس في رأسك؟ فأجاب الزين ضاحكا ووجهه مشبع بالمرح : ( وقت عرس أخته ) . واستمر الحنين

وفي صوته هو الآخر رنة مرح : ( شن سويت لي أخته يوم عرسها ؟ ) . أخته كانت دايراني أنا . مشو عرسوها للراجل الباطل داك ) وضحك أحمد إسماعيل بالرغم منه . وقال الحنين في صوت

أكثر رقة وحنانا : ( كل البنات دايرتنك يا لمبروك . باكر تعرس أحسن بت في البلد دي ) . وأحس محجوب بخفقة خفية في قلبه . كان فيه رهبة دفينة من أهل الدين ، خاصة النساك منهم

أمثال الحنين . كان يهابهم ويبتعد عن طريقهم ولا يتعامل معهم . وكان يحاذر نبوءاتهم ويحس بالرغم من عدم اهتمامه الظاهري ، بأن لها أثرا غامضا. ( نبوءات هؤلاء النساك لا تذهب

هدرا ) ، يقول في سره لعل هذا هو الذي جعله يقول بصوت مرتفع فيه رنة واحتقار : ( منو البتعرس البهيمه دا ؟ كمان على العلية ، داير يجيب لنا جنيه ) . ونظر الحنين إلى محجوب

نظرة صارمة ، ارتعدت لها فرائض محجوب لولا أنه تشجع ، وقال : ( الزين مو بهيمه الزين مبروك ، باكر يعرس أحسن بت في البلد ) . وفجأة ضحك الزين ضحكة بريئة ، ضحكة طفل ، وقال (

كت داير أموته ، الحمار الدكر يفلقني بالفاس علشان أخته دايراني أنا ؟ ) فقال الحنين يحزم : ( دحين دايرنك تصالحه . خلاص الفات مات ، هو ضربك ، وأنت ضربته ) . ونادى سيف

الدين ، فجاء بقامته الطويلة وحوله سعيد وعبد الحفيظ وحمد ود الريس . فقال الحنين للزين ( قوم سلم فوق رأسه ) . فقام الزين دون أي اعتراض وأمسك برأس سيف الدين وقبله ، ثم

أهوى على رأس الحنين وأشبعه قبلا وهو يقول : ( شيخنا الحنين . أبونا المبروك ) وكانت لحظة مؤثرة أثارت الصمت في نفوس أولئك الرجال ، ودمعت عينا سيف الدين وقال للزين : ( أنا

غلطان في حقك ،سامحني ) وقام وقبل رأس الزين ثم أمسك بيد الحنين وقبلها ، وجاء الرجال كلهم ،محجوب ، وعبد الحفيظ وحمد ود الريس ، والطاهر الرواسي ، وأحمد إسماعيل ، وسعيد

التاجر ، كل واحد منهم أمسك بيد الحنين في صمت وقبلها . وقال الحنين بصوته الرقيق الوديع : ( ربنا يبارك فيكم ربنا يجعل البركة فيكم ) ووقف وأمسك إبريقه في يده . فسارع

محجوب يستضيفه : ( لازم تتعشى معانا الليلة ) لكن الحنين رفض بلطف وقال وهو يمسك بيده الأخرى كتف الزين : ( العشا في بيت المبروك ) ، وغابا معاً في الظلام .








رف على رأسيهما برهة قبس من ضوء المصباح المعلق في دكان سعيد ، ثم انزلق الضوء عنهما كما ضوء المصباح المعلق في دكان سعيد . ثم انزلق الضوء عنهما كما ينزلق الرداء الحريري

الأبيض عن منكب الرجل . ونظر محجوب إلى عبد الحفيظ ونظر سعيد إلى سيف الدين ، ونظروا كلهم بعضهم إلى بعض وهزوا رؤوسهم بعد هذا الحادث بأعوام طويلة ، حين أصبح محجوب جداً

لأحفاد كثيرين . كذلك أصبح عبد الحفيظ والطاهر الرواسي والباقون ، وحين أصبح أحمد إسماعيل أبا وصارت بناته للزاوج ، كان أهل البلد - وبينهم هؤلاء - يعودون بذاكرتهم إلى ذلك

العام ، وإلى حادث الزين والحنين وسيف الدين الذي وقع أمام دكان سعيد ، الذين اشتركوا في ذلك الحادث يذكرونه برهبة وخشوع ، بما فيهم محجوب الذي لم يكن يأبه لشيء من قبل ،

لقد تأثرت حياة كل واحد من أولئك الرجال الثمانية ، يستعيدون فيما بينهم . آلاف المرات تفاصيل الحادث . وفي كل مرة ، كانت الحقائق تتخذ وقعا أكثر سحرا . يذكرون في عجب كيف

أن الحنين هل عليهم من حيث لا يعلمون ، في اللحظة ، عين اللحظة ليس قبل ولا بعد ، حين ضاقت قبضة الزين على خناق سيف الدين وكادت تودي به ، بل أن بعضهم يقول أن سيف الدين قد

مات بالفعل : لفظ نفسه الأخير ، ووقع على الأرض جثة هامدة ، وسيف الدين نفسه يؤكد هذا الزعم ، يقول أنه مات بالفعل ، وفي اللحظة التي ضاقت فيها قبضة الزين على حلقه ، يقول

أنه غاب عن الدنيا البتة ، ورأى تمساحا ضخما في حجم الثور الكبير فاتحا فمه . وانطبق فكا التمساح عليه ، وجاءت موجة كبيرة كأنها الجبل فحملت التمساح في هوة سحيقة ليس لها

قرار ، في هذا الوقت ، يقول سيف الدين أنه رأى الموت وجها لوجه ، ويقول عبد الحفيظ ، وقد كان أقرب الناس إلى سيف الدين حين عاد إلى وعيه ، أن أول كلمات فاه بها ، حين جاش

النفس في رئتيه من جديد ، أول شيء تفوه به حين فتح عينيه ، أنه قال : " أشهد إلا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله "
ومهما يكون فمما لا شك فيه أن حياة سيف الدين ، منذ تلك اللحظة ، تغيرت تغيرا لم يكن يحلم به أحد ، كان سيف الدين الابن الوحيد للبدوي الصائغ - سمي الصائغ لأن تلك كانت حرفته

في بداية حياته ، ولما أثرى ولم يعد صائغا لصق به الاسم فلم يفارقه ، كان البدوي رجلا موسرا ، ولعله أثرى رجل في البلد ، جمع بعض ثروته بعرق جبينه ، من الصياغة والتجارة

والسفر ، وبعضها آل إليه عن طريق زوجته . كان كما يقول أهل البلد . رجلا ( أخضر الذراع ) لا يمس شيئا إلا تحول بين يديه إلى مال ، في أقل من عشرين عاما ، كون من العدم . ثروة

بعضها أرض وضياع ، وبعضها تجارة منتشرة على طول النيل من كرمه إلى كريمه ، وبعضها مراكب موسقة بالتمر والبضائع تجوب النهر طولا وعرضا ، وبعضها ذهب كثير تلبسه زوجته وبناته

في شكل حلي يملأ رقابهن وإيديهن . ونشأ سيف الدين ولداً واحداً بين خمس بنات ، تدلله أمه ، ويد لله أبوه ، وتدلله أخواته الخمس . فكان لا بد أن يفسد ، أو كما يقول أهل البلد ، كان لا

بد أن ينشأ هشا رخوا ، كالشجيرة التي تنمو في ظل شجرة أكبر منها . لا تتعرض للريح لا ترى ضوء الشمس ، مات البدوي وفي حلقه غصة مريرة من ابنه . أنفق عليه مالاً كثيراً لكي يتعلم

. فلم يفلح وأنشأ له متجراً في البلد فأفلس في شهر ، ثم الحقه بورشة ليتعلم الصناعة فهرب . وبعد لأي ، ووساطة وتشفع نجح في تعيينه موظفا صغيرا في الحكومة لعله يتعلم كيف

يعتمد على نفسه . لكن لم تمضي أشهر حتى جاءته الأنباء تترى . من أفواه الأعداء والأصدقاء . من الشامتين والمشفقين على السواء أن ابنه يبيت ليله كله في خماره ولا يرى المكتب إلا

مرة أو مرتين في الأسبوع . وأن رؤساءه أنذروه مراراً وهددوا بفصله من العمل ، فسافر الرجل إلى المدينة وعاد يسوق ابنه كالسجين وحلف ليسجننه طول حياته في الحقل - كالعبد

الرقيق . هكذا قال .
ومضى عام على سيف الدين وهو يجمع العلف للبقر ويرعى الماشية على أطراف الحقل سحابة نهاره . يزرع ويحصد ويقطع ويتأوه . ومع ذلك فلم يعدم تسلية بالليل . كان يعرف أماكن صنع

الخمر . ويصادق الجواري اللائي يصنعنها - ( الخدم ) : كما يقول أهل البلد كن رقيقا أعطي حريته . بعضهن هاجرن من البلد وتزوجن بعيدا عن موطن رقهن ، وبعضهن تزوجن الرقيق

المعتقين في البلد وعشن حياة كريمة بينهن وبين سادتهن السابقين ود وتواصل وبعضهن لم تستهوهن حياة الاستقرار فبقين على حافة الحياة في البلد . محطا لطلاب الهوى واللذة . والحق

أن مجتمع الجواري هذا كان شيئا غريبا . فيه روح المغامرة والتمرد والخروج على المألوف . هناك في طرف الصحراء بعيدا عن الحي ، تقبع بيوتهن المصنوعة من القش . بالليل حين

ينام الناس . ترتعش من فرجاتها أضواء المصابيح وتسمع منها ضحكات مخمورة نشوى . ضاق بها أهل البلد فأحرقوها ، لكنها عادت إلى الحياة مثل نبات الحلفا . لا يموت . وطردوا

سكانها وعذبوهم بشتى السبل . لكنهم لم يلبثوا أن تجمعوا من جديد كالذباب الذي يحط على بقرة ميتة
وكم من شاب مراهق ، خفق قلبه في جنح الظلام حين حمل إليه الليل ضحكات الجواري وصياح المخمورين . في تلك ( الواحة ) على حافة الصحراء . بشيء مخيف ، لذيذ رهيب ، يغري

بالاستكشاف . ولم يكن عسيرا على سيف الدين أن يجد طريقه إليها . هنالك كان يقضي لياليه ، وكانت له من بينهن خليلة . كل هذا تحمله أبوه في صبر . كانت الأخبار تأتيه ، فكان

يتغاضى أحيانا ، وأحيانا يثور . لكن صبره نفذ حين جاء سيف الدين ذات ليلة ، وهو على سجادته بعد صلاة العشاء . كان تفوح من فمه رائحة الخمر ، وقال له ، بصوت أجش من فعل

الشراب والسهر ، أنه يحب الساره ( إحدى الجواري ) ويريد أن يتزوجها ، اسودت الدنيا في وجه الرجل وفقد صوابه ، ابنه الوحيد سكران ، فاسق ، يقول له ، وهو على مصلاته ، أنه "

يحب " - الكلمة التي تثير في عقول الآباء في البلد كل معاني البطالة والخمول وعدم الرجولة - وأنه يريد أن يتزوج جارية ماجنة فارغة العين ... قام الأب وهو بين الحياة والموت .

وحلف الأب أن الولد الفاسق - هكذا قال - لا يبيت ليلة واحدة تحت سقف بيته ، وأنه ليس ابنه وأنه براء منه . قضى سيف الدين ليلته في بيت خاله ، وفي الصباح اختفى . وعاش البدوي

الصائغ بقية حياته مثل رجل به عاهة . كان الألم يحز في قلبه ، ووجهه معروق كوجوه المرضى بالسل ، كان يقول أن ابنه مات ، وكان أحيانا إذا خانه لسانه وذكر ابنه ، يذكره كأنه

مات بالفعل .







وكانت تترى على البلد أخبار مريعة عن سيف الدين ، كيف أنه سجن في الخرطوم بتهمة السرقة وكيف أنه اتهم مرة بقتل رجل في بور سودان وكاد يشنق لولا أنهم وجدوا القاتل الفعلي في

النهاية وكيف أنه يعيش " صائعا " سفيها فاسقا مع العاهرات في كل مدينة يحل فيها . يقولون مرة أنه يعمل حمالا يحمل بالات القطن على ظهره في الميناء . ومرة يقولون أنه يعمل

سواقا لسيارة شاحنة بين الفاشر والأبيض وأحيانا يقولون أنه يزرع القطن في طوكر ، وحاول أعمامه وأخواله إقناع أبيه بأن يكتب وصية يترك فيها ثروته كلها لزوجته وبناته . كل

الرجال العقلاء في البلد أمّنوا أيضا على صواب هذا الرأي لكن الأب كان يتهرب دائما ويتعلل بأنه سيفعل ذلك حين يدنو أجله ، وأنه ما زال قويا لا حاجة به إلى كتابة وصية . لكن

الرجال العقلاء كانوا في مجالسهم يهزون رؤوسهم حسرة ، ويقولون أن البدوي ما زال يأمل أن ابنه سيعود إلى صوابه . شيء ما : لم يفهمه أهل البلد ، منع الرجل من اتخاذ الخطوة

الحاسمة : حرمان ابنه من الميراث
وفي ليلة من ليالي شهر رمضان ، مات البدوي على مصلاته بعد أن صلى التراويح . كان رجلا طيبا فمات ميتة كل الرجال الطيبين : في شهر رمضان ، في الثلث الأخير منه ، وهو الثلث

الأكثر بركة ، على مصلاته ، بعد أن صلى التراويح ، وهز أهل البلد رؤوسهم وقالوا " يرحم الله البدوي . كان رجلا طيبا . كان يستاهل أبناء خيرا من ابنه الفاسق ذاك " . وذات يوم .

والناس ما زالوا على ( فراش البكاء ) وقد فرغوا لتوهم من إقامة ( الصدقة ) دخل عليهم سيف الدين . كان يحمل في يده عصا غليظة من النوع الذي يستعمل في شرق السودان ، ولم يكن

معه متاع على الإطلاق . كان شعره منفوشا كأنه شجيرة سيال ، ولحيته كثة متسخة ووجهه وجه رجل عاد من الجحيم ، لم يسلم على أحد ، وتجنبته كل العيون ، لكن عمه الأكبر قام وبصق على

وجهه ، ولما وصل النبأ بقدومه إلى أمه في الجناح الآخر من البيت وهي وسط الحريم على ( فراش البكاء ) وولولت من جديد كأن زوجها مات لتوه . وولولت أخوات سيف الدين ، وعماته

وخالاته وفار جناح الحريم في البيت وماج . إلا أن العم قام إليهن وانتهرهن فسكتن .
كل هذا لم يمنع سيف الدين أن يضع يده على أموال أبيه ، كل ما استطاع عمله أعمامه وأخواله أنهم خلصوا نصيب أمه وأخواته ، وبقي لب الثروة في يده . هنا أيضا تبدأ حياة العذاب

لموسى صديق الزين - موسى الأعرج - كما يسميه أهل البلد . طرده سيف الدين بحجة أنه لم يعد رقيقا . وأنه ليس مسئولا عنه . وعاش سيف الدين بعد هذا حياة مستهترة . زاد في

استهتارها توفر المال في يده . كان في سفر متواصل ، ومرة في الشرق ومرة في الغرب ، يقضي شهرا في الخرطوم وشهرا في القاهرة وشهرا في أسمرا ، ولا يجيء البلد إلا لبيع أرضا أو

يتخلص من ثمر ، كان نوعا من الناس لم يعرفه أهل البلد في حياتهم ، يجافونه كما يجافي المريض بالجذام . حتى أقرب الناس إليه . أعمامه وأخواله لم يكونوا يأمنونه في بيوتهم ،

فسدوا الباب في وجهه مخافة أن يفسد أبناءهم أو يفسق ببناتهم ، وفي إحدى زياراته المتقطعة للبلد وجد عرس أخته - فإن أهله كانوا يتجنبون حضوره لأفراحهم ولم يكن هو بطبعه يحضر

مأتما . وكاد ذلك العرس ينقلب بسببه إلى مأساة . أولاً حادثة الزين . جاء الزين كعادته في مرحه وهذره ولم يكن أحد يأبه له . لكن سيف الدين لم يعجبه ذلك فضربه بفاس على رأسه

وكادت المسألة تنتهي بالسجن . لولا تدخل العقلاء من أهل البلد الذين قالوا أن سيف الدين لا يستحق الوقت الذي ينفقونه عليه في المحاكم. ثانيا : كاد العريس يغير رأيه في آخر

لحظة لأنه تشاجر مع سيف الدين أخي العروس ومرة أخرى تجمع العقلاء من أهل البلد ، بما فيهم أبو العريس ، وقالوا إن سيف الدين ليس منهم ، وأن حضوره العرس شر لا يستطيعون رده .

ثالثاً : في الأسبوع الأخير في حفل الزواج انهمر على الدار عشرات من الناس الغرباء الذين لم يرهم أحد من قبل . نساء ماجنات ورجال زائغو النظرات وصعاليك ، وسفهاء جاؤوا من حيث

لا يدري أحد . كلهم أصدقاء سيف الدين دعاهم لحفل زواج أخته . وهنا لم يجد أهل البلد بداً من القيام بعمل . قبل أن يستقر هؤلاء الضيوف في جلساتهم إذا بصف من رجال البلد يتقدمهم

أحمد إسماعيل . ثم محجوب ، ثم عبد الحفيظ فالطاهر الرواسي ، فحمد ود الريس ، وأعمام سيف الدين وأخواله ، نحو من ثلاثين رجلا في أيديهم عصي غليظة وفؤوس ، أغلقوا الأبواب عليهم

وأشبعوهم ضربا . وأكثر من ضربوا منهم سيف الدين . ثم ألقوا بهم في الطريق . وبينما البلد بأسرها تضج من ذلك البلاء الذي اسمه سيف الدين ، إذا به فجأة بعد ( حادث الحنين )

يتغير كأنه ولد من جديد .
لم يصدق الناس عيونهم بادئ الأمر ، ولكن سيف الدين أخذ كل يوم يأتي بجديد . سمعوا أولا أنه ذهب من صباحه إلى أمه وقبل رأسها وبكى طويلا بين يديها . وما كادوا يستجمعون أنفاسهم

حتى سمعوا أنه جمع أعمامه وأخواله وأنه تاب واستغفر أمامهم . وأنه تأكيدا لتوبته أخرج ما تبقى من ثروة أبيه من ذمته ، وجعل عمه الأكبر وصيا عليها حتى يصير هو صالحا تماما

لمباشرة مسؤوليته . كاد أهل البلد يعودون آذانهم على ذلك ، حتى رأوا لعجبهم سيف الدين يدخل المسجد لصلاة الجمعة ، كان حليق اللحية ، مهذب الشارب ، ونظيف الثياب ، ويقول

الذين حضروا الصلاة أنه لما سمع خطبة الإمام ، وكان موضوعها البر بالوالدين ، أجهش طويلا بالبكاء حتى أغمي عليه ، وتجمهر حوله الناس يطيبون خاطره ، ولما خرج من المسجد ، ذهب

من فوره إلى موسى الأعرج وقال له أنه أخطأ في حقه وطلب صفحة وقال له أنه سيبره كما بره أبوه . وعاشت البلد شهرا أو قرابة شهر وهي تلهث كل يوم من عمل جديد قام به سيف الدين

عزوفه عن الخمر ، ابتعاده عن أصدقاء السوء ، مواظبته على الصلاة انصرافه إلى إصلاح ما فسد من تجارة أبيه بره بأ‏مه . خطوبته لبنت عمه . وأخيرا عزمه على تأدية فريضة الحج ذلك

العام ، وكان عبد الحفيظ ، وكان من أكثر الناس إيمانا بمعجزة الحنين ، كما تجلت في سيف الدين ، كلما سمع نبأ جديدا يسرع به إلى محجوب . وكان معروفا بجفائه لأهل الدين

والنساك منهم بوجه خالص ( معجزة يا زول ، ما في اثنين ثلاثة ) ، ويصمت محجوب وهو يحس في جوفه بذلك القلق الغامض الذي يساوره إزاء هذه الحالات ( سيف الدين عزم على الحج تصدق

بالله يا زول ؟ تآمن وألا ما تآمن ؟ معجزة يا زول دون أدنى شك ) كان محجوب يقول لعبد الحفيظ لما بدأت القصة أن سيف الدين شبع من السفاهة ، أو على قوله ( وصل السفاهة حدها ) ،

وكان لا بد أن يتغير في يوم من الأيام ، لكنه وهو يسمع كل يوم شيئا جديدا مذهلا لم يعد قادرا حتى على الجدال ، فلاذ بالصمت كانت معجزة سيف الدين بداية لأشياء غريبة تواردت على

البلد في ذلك العام . ولم يعد ثمة شك في ذهن أحد ، حتى محجوب ، وهم يرون المعجزة تلو المعجزة أن مرد ذلك كله أن الحنين قال لأولئك الرجال الثمانية أمام متجر سعيد ذات ليلة :

( ربنا يبارك فيكم ربنا يجعل البركة فيكم ) كان الوقت قبيل صلاة العشاء بقليل ، وهو وقت يستجاب فيه الدعاء ، خاصة من أولياء الله الصالحين أمثال الحنين كانت البلد هادئة ساكنة

، إلا من ريح خفيفة منعشة تلعب بجريد النخيل , إنهم جميعا . الرجال الثمانية الذين شهدوا الحادث وبقية الناس في بيوتهم وحقولهم ، يذكرون تلك الليلة بوضوح كأنها كانت ليلة

البارحة وكان الظلام المخملي الكثيف يربض على أركان البلد ، عدا أضواء مصابيح خافته تسربت من نوافذ البيوت ، والضوء الساطع من المصباح الكبير في متجر سعيد . كان الوقت وقت

تحول الفصول ، من الصيف إلى الخريف . يذكر سعيد صاحب الدكان أن الليلة لم تكن قائظة كسابقتها وأنه لم يكن رطب الوجه من العرق وهو يزن سكرا لسيف الدين ، وأنه لما ( وقعت

الوقعة ) كما يسميها ، وترك ميزانه وخرج من دكانه ليحول بين الزين وسيف الدين ، يذكر أن نسيما باردا هب على وجهه ! ويذكر الناس الذين لم يسعدهم الحظ بحضور الحادث لأنهم

كانوا يتهيأون لصلاة العشاء في المسجد ، أن الإمام تلا في تلك الليلة ، حين صلى بهم جزءا من سورة مريم ، وحاج إبراهيم ، عم الزين ووالد نعمة ، وهو رجل مشهود له بالصدق ، يذكر

تماما أن الإمام قرأ الآية وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ويصف حمد ود الريس ، وهو مشهور في البلد بسعة الخيال والجنوح إلى المبالغة ، بأن نجما له ذنب سطح تلك

الليلة في الأفق الغربي فوق المقابر ، لكن أحدا غيره لا يذكر نجما له ذنب سطح في تلك الليلة ، على أي حال ، لا شك في أن الحنين ، ذلك الرجل الصالح ، قال على مسمع من ثمانية

رجال ، في تلك الليلة المباركة بين الصيف والخريف ، قبيل صلاة العشاء بقليل : ( ربنا يبارك فيكم ربنا يجعل البركة فيكم ) وكأنما قوي خارقة في السماء قالت بصوت واحدا : (

آمين )



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wadbashir.yoo7.com
 
رواية عرس الزين-2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية عرس الزين-3
» رواية عرس الزين-4
» رواية عرس الزين-5
» رواية عرس الزين-1
» الشيخ الزين احمد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ودبشير ارض الشمال :: القسم الثاني اجتماعي :: المكتبة العامة-
انتقل الى: