ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
مرحبا بالزاير الكريم انت لم تسجل بعد سارع
بالتسجيل
او الدخول
‏ ‏ نرجو ان تجدوا ما يسركم و نتعاون معا ليرتقي الي ما نصبو اليه

والله ولي التوفيق
ودبشير ارض الشمال
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
ودبشير ارض الشمال

اسلاامي / اجتماعي / ثقافي / رياضي/ برامج والعاب / اكواد دعم منتديات
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  صفحتنا على الفيس بكصفحتنا على الفيس بك  

 

 موسم الهجرة الي الشمال 3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 795
تاريخ التسجيل : 30/03/2012
العمر : 68
الموقع : wadbashir.2morpg.Com

موسم الهجرة الي الشمال 3 Empty
مُساهمةموضوع: موسم الهجرة الي الشمال 3   موسم الهجرة الي الشمال 3 Emptyالأحد نوفمبر 01, 2015 9:52 pm

وأشعلت بنت مجذوب سيجارة وقالت : ( عليَّ الطلاق يا حاج أحمد ، كنت حين يرقد زوجي بين فخدي أصرخ صراخاً تجفل منه البهائم المربوطة في مراحها في الساقية ) . وكان بكري قبل ذلك يضحك ولا يقول شيئاً ، فقال : ( حدثينا يا بنت مجذوب . أي أزواجك كان أحسن ؟ ) فقالت بنت مجذوب على الفور : ( ود البشير ) . فقال بكري : ( ود البشير الكحيان التعبان ؟ كانت العنز تأكل عشاءه ) . ونفضت بنت مجذوب رماد السيجارة على الأرض بحركة مسرحية بأصابعها وقالت : ( عليَّ الطلاق ، كان عند شيء مثل الوتد حين يدخله في أحشائي لا أجد أرضاً تسعني . كان يرفع رجلي بعد صلاة العشاء ، وأظل مشبوحة حتى يؤذن ..
آذان الفجر . وكان حين تأتيه الحالة يشخر كالثور حين يذبح وكان دائماً حين يقوم من فوقي يقول : ها لله الله يا بنت مجذوب ) . فقال لها جدي : ( لا عجب أنك قتلته في عز الشباب ) . فضحكت بنت مجذوب وقالت : ( قتله أجله . هذا الشيء لا يقتل أحداً ) .
كانت بنت مجذوب إمرأة طويلة لونها فاحم مثل القطيفة السوداء ، ما يزال فيها إلى الآن وهي تقارب السبعين بقايا جمال . وقد كانت مشهورة في البلد ، يتسابق الرجال والنساء على السواء لسماح حديثها لما فيه من جرأة وعدم تحرج . وكانت تدخن السجاير وتشرب الخمر وتحلف بالطلاق كأنها رجل . ويقال أن أمها كانت ابنة أحد سلاطين الفور . وقد تزوجت عدداً من خيرة رجال البلد ، ماتوا كلهم عنها وتركوا لها ثروة ليست قليلة . وقد أنجبت ولداً واحداً وعدداً لا يحصى من البنات أشترهن بجمالهن وعدم تحرجهن في الحديث ، مثل أمهن . ويروى أن إحدى بنات بنت مجذوب تزوجت رجلاً لم تكن أمها راضية عنه . وحملها وسافر بها . ولما عاد بعد نحو من عام أراد أن يقيم وليمة يدعو إليها أقارب زوجته . فقالت له الزوجة : ( أن أمي لا تتحرج في كلامها ومن الخير أن ندعوها وحدها ) . وفعلاً ذبحوا وأولموا لها . وبعد أن طعمت وشربت قالت لإبنتها وزوجها يسمع : ( يا آمنة . هذا الرجل لم يقصر في حقك . فمسكنك حسن وملبسك حسن ، وقد ملأ يديك ورقبتك ذهباً . ولكن لا يبدو عليه أنه ..
يقدر على إشباعك في الفراش . فإذا أردت الشبع الصحيح فأنا أعرف لك زوجاً إذا جاءك لا يتركك حتى تزهق روحك ) ولما سمع الزوج هذا الكلام غضب غضباً شديداً وطلق زوجته ثلاثاً في الحين .
وقالت بنت مجذوب لود الريس : ( ما بالك ، لك عامان وأنت مكتف بزوجة واحدة ؟ هل ضعفت همتك ؟ ) .
وتبادل ود الريس وجدي نظرات لم أفهمها إلا فيما بعد ، وقال : ( الوجه وجه شيخ والقلب قلب شاب . هل تعرفين أرملة أو ثيباً تصلح لي ؟ ) .
وقال بكري : ( النصيحة لله يا ود الريس . أنت لم تعد رجل زواج . إنك الآن شيخ في السبعين وأحفادك صار لهم أولاد . ألا تستحي ، لك كل سنة عرس ؟ الآن يلزمك الوقار والاستعداد لملاقاة الله سبحانه وتعالى ) .
ضحكت بنت مجذوب وضحك جدي لهذا القول ، وقال ود الريس في غضب مصطنع : ( ماذا يفهمك أنت في هذه الأمور ؟ أنت وحاج أحمد كل واحد منكم اكتفى بامرأة واحدة ولما ماتتا وتركناكما لم تجدا الجرأة على الزواج . حاج أحمد هذا طول اليوم في صلاة وتسبيح كأن الجنة خلقت له وحده . وأنت يا بكري مشغول في جمع المال إلى أن يريحك منه الموت . الله سبحانه حلل الزواج وحلل الطلاق وقال ما معناه خذوهن بإحسان أو فارقوهن بإحسان .
وقال في كتابه العزيز : النسوان والبنون زينة الحياة الدنيا ) . وقلت لود الريس إن القرآن لم يقل ( النسوان والبنون ) ولكنه قال ( المال والبنون ) . فقال : ( مهما يكن ، لا توجد لذة أعظم من لذة النكاح ) .
وملس ود الريس شاربيه المقوسين بعناية إلى أعلى ، طرفاهما كحد الإبرة ، ثم أخذ يمسح بيده اليسرى لحيته الغزيرة البيضاء التي تلبس وجهه من الصدغ إلى الصدغ ، ويتنافر لونها الأبيض الناصع من سمرة وجهه كلون الجلد المدبوغ ، فكأن اللحية شيء صناعي ألصق بالوجه . ويختلط بياض اللحية دون مشقة ببياض العمة الكبيرة ، مقيماً إطاراً صارخاً يبرز أهم معالم الوجه : العينين الجميلتين الذكيتين ، الأنف المرهف الوسيم . وود الريس يستعمل الكحل متذرعاً بأن الكحل سُنَّة ، لكنني أظن أنه يفعل ذلك زهواً . كان في مجموعه وجهاً جميلاً ، خاصة إذا قارنته بوجه جدي الذي ليس فيه شيء يميزه ، ووجه بكري وهو كالبطيخة المكرمشة .
وواضح أن ود الريس يدرك ذلك ، وقد سمعت أنه كان في شبابه آية في الحسن ، وأن قلوب الفتيات كانت تخفق بحبه قبلي وبحري ، أعلى النهر وأسفله . كان كثير الزواج والطلاق لا يعنيه في المرأة أنها امرأة ، يأخذهن حيثما اتفق ، ويجيب إذا سُئل : ( الفحل غير عواف ) . وأذكر من زوجاته دنقلاوية من الخندق ، وهدندوية من القضارف ، وأثيوبية
وجدها تخدم عند ولده الأكبر في الخرطوم ، وامرأة من نيجيرية عاد بها في حجته الرابعة . ولما سُئِل كيف تزوجتها قال أنه اجتمع بها وبزوجها في السفينة بين بور سودان وجدة وتصادق معها . ولكن الرجل توفي في مكة يوم الوقوف على عرفات . وقال له وهو يحتضر : ( أوصيك بزوجتي خيراً ) . ولم يجد خيراً من زواجها . عاشت معه ثلاثة أعوام ، وهو وقت طويل بحساب ود الريس . وكان فرحاً بها ، وأعظم سروره أنها كانت عاقراً . وكان يحكي للناس خصائص أفعاله معها ، ويقول : ( من لم يتزوج فلاتية لم يعرف الزواج ) . وأثناء حياته معها تزوج بامرأة من الكبابيش ، عاد بها في زيارة له إلى حمرة الشيخ . لكن المرأتين لم تطيقا الحياة معاً ، فطلق الفلاتية إرضاء للكباشية ، ولكن الكباشية ، بعد ذلك بقليل هجرته وهربت إلى أهلها في حمرة الشيخ .
وضربني ود الريس بكوعه في جنبي وقال : ( قالوا نسوان النصارى شيء فوق التصور ) . فقلت له : ( لا أدري ) . فقال : ( أي كلام هذا ؟ شاب مثلك في عز الشباب يعيش سبع سنين في بلاد الهنك والرنك وتقول لا أدري ) . سكت ، فقال ود الريس : ( قبيلتكم هذه لا خير فيها . أنت رجال المرأة الواحدة ليس فيكم غير عمك عبدالكريم ذلك هو الرجل ) .
كنا بالفعل معروفين في البلد بأننا لا نطلق زوجاتنا ولا ..
نتزوج عليهن ، وكان أهل البلد يتندرون علينا ويقولون أننا نخاف من زوجاتنا . إلا عمي عبدالكريم كان مطلاقاً مزواجاً ، وزانياً أيضاً .
وقالت بنت مجذوب : ( حريم النصارى لا يعرفن لهذا الشيء كما تعرف له بنات البلد . نساء غلف ، الحكاية عندهن كشرب الماء . بنت البلد تعمل الدلكة والدخان والريحة وتلبس الفركة القرمصيص . وحين ترقد على البرش الأحمر بعد صلاة العشاء وتفتح فخذيها ، يشعر الرجل كأنه أبو زيد الهلالي . الرجل الما عنده همة يصبح له همة ) .
وضحك جدي وضحك بكري وقال ود الريس : ( دعك من بنات البلد يا بنت مجذوب . النسوان البرانيات ، هؤلاء هن النساء ) . وقالت بنت مجذوب : ( عقلك هو البراني ) . وقال جدي : ( ود الريس يحب النسوان الغير مطهرات ) . وقال ود الريس : ( عليَّ اليمين يا حاج أحمد ، لو ذقت نساء الحبش والفلاتة كنت رميت مسبحتك . وتركت صلاتك ما بين أفخاذهن كأنه الصحن المكفي ، صاغ سليم ، بكامل خيره وشره . عندنا هنا يقطعونه ويتركونه مثل الأرض الخلاء ) .
وقال بكري : ( الختانة من شروط الإسلام ) . فقال ود الريس : ( أي إسلام هذا ؟ ) إسلامك إنت وإسلام حاج ..
أحمد ، لأنكم لا تعرفون الذي يصلحكم من الذي يضركم . الفلاتة والمصريون وعرب الشام . اليسوا مسلمين مثلنا ؟ لكنهم ناس يعرفون الأصول . يتركون نساءهم كما خلقهن الله . أما نحن فنجزهن كما تجز البهيمة ) .
وضحك جدي حتى اسقط ثلاث حبات من مسبحته مرة واحدة دون وعي ، وقال : ( المصريات ، مثلك لا يقدر عليهن ) . قال له ود الريس : ( وما أدراك إنت بالمصريات ؟ ) ، فقال بكري بالنيابة عن جدي : ( هل نسيت أن حاج أحمد سافر إلى مصر سنة ستة وأقام فيها تسعة أشهر ؟ ) .
وقال جدي : ( مشيت على قدمي ، ليس معي غير المسبحة والإبريق ) . فقال ود الريس : ( وماذا فعلت ؟ عدت كما ذهبت بالمسبحة الإبريق . علي اليمين ، لو كنت محلك لما عدت فارغ اليدين ) . فقال جدي : ( أظنك كنت رجت ومعك امرأة . هذا هو كل همك . أنا رجعت ومعي المال فاشتريت الأرض وعمرت الساقية وطهرت أولادي ) . وقال ود الريس : ( بالله يا حاج أحمد ، هل ذقت الشيء المصري ؟ ) . كانت حبات المسبحة طول الوقت تتفلت بين أصابع جدي طالعة نازلة كأنها دولاب الساقية . لكن الحركة توقفت فجأة ..
ورفع جدي وجهه إلى السقف وفتح فمه . ولكن بكري كان أسبق منه فقال : ( إنت يا ود الريس مجنون . رجل كبير لكن ما عندك فهم . النسوان نسوان في مصر أو السودان أو العراق أو واق ، الواق ، السوداء والبيضاء والحمراء كلهن سواسية ) .
ولم يستطع ود الريس من شدة دهشته أن يقول شيئاً . ونظر إلى بنت مجذوب كأنه يستنجد بها . وقال جدي : ( الحق لله أنني كدت أتزوج في مصر . المصريون ناس طيبون ويحفظون العشرة . والمرأة المصرية تعرف قيمة الرجل . تعرفت برجل تقي في بولاق كنا نلتقي دائماً في صلاة الفجر في مسجد أبوالعلا . دخلت بيته وتعرفت على أهله كان أبو بنات عنده ست بنات كل واحدة تقول للقمر قوم وأنا أقعد محلك . بعد مدة قال لي : ( يا سوداني إنت رجل متدين وتحفظ العشرة خليني أزوجك بنتاً من بناتي . الحق لله يا ود الريس نفسي مالت إلى البنت الكبيرة . لكن بعدها بقليل جاني تلغراف بوفاة المرحومة أمي فسافرت في الساعة والحين ) . وقال بكري : ( رحمة الله عليها . كانت امرأة فاضلة ) . وتنهد ود الريس وقال : ( يا خسارة . الدنيا هكذا . تعطي الذي لا يريد أن يأخذ . علي اليمين لو كنت محلك كنت عملت عمايل . كنت تزوجت وقعدت هناك وذقت حلاوة الحياة مع بنات الريف . ماذا أرجعك لهذا البلد الخلاء المقطوع ؟ ) .
وقال بكري : ( الغزال قالت بلدي شام ) . وكانت بنت مجذوب قد أوقدت سيجارة أخرى جذبت منها الدخان بسخاء وعكرت به سماء الغرفة ، فقالت لود الريس : ( إنت لم تعدم حلاوة الحياة حتى في هذا البلد الخلاء المقطوع . ها أنت سمين بدين لا تعجز ولا تكبر مع إنك زدت علي السبعين ) .
فقال ود الريس : ( علي اليمين ، سبعين سنة فقط لا تزيد يوماً واحداً ، إنما إنت شرط أكبر من حاج أحمد ) . فقال له جدي : ( خاف الله يا ود الريس . بنت مجذوب لم تكن ولدت حين تزوجت أنا . وهي أصغر منك بسنتين أو ثلاث ) . فقال ود الريس : ( على أي حال ، أنا في يومنا هذا أنشط واحد فيكم . وعلي اليمين ، بين فخذي المرأة أنا أنشط من حفيدك هذا ) .
فقالت بنت مجذوب : ( إنت تفلح في الكلام . ولا بد إنك تجري وراء النساء لأن بضاعتك مثل عقلة الأصبع ) . فقال ود الريس : ( لو كنت تزوجتني يا بنت مجذوب لوجدت شيئاً مثل مدافع الإنكليز ) . فقالت بنت مجذوب : ( والمدافع سكتت وقت مات ود البشير . إنت يا ود الريس رجل مخرف ، عقلك كله في رأس ذكرك ، ورأس ذكرك صغير مثل عقلك ) ..
وارتفع ضحكهم جميعاً ، حتى بكري الذي كان من قبل يضحك بهدوء . وتوقف جدي عن الطقطقة بمسبحته تماماً ، وضحك ضحكته النحيلة الخبيثة المنطلقة . وضحكت بنت مجذوب بصوتها الرجالي المبحوب . وضحك ود الريس ضحكاً أقرب إلى الشخير منه إلى الضحك . ومسحوا الدموع من أعينهم ، وقال جدي : ( استغفر الله . والله ضحكتونا يا جماعة اللهم أجمعنا ثانية في ساعة خير ) . وقال بكري : ( استغفر الله . اللهم أغفر لنا وارزقنا حسن الخاتمة ) . وقال ود الريس : ( استغفر الله العظيم . أيام نقضيها على وجه الأرض وبعدها ربنا يفعل فينا ما يشاء ) .
وهبت بنت مجذوب واقفة دفعة واحدة ، كما يهب رجل في الثلاثين ، وانتصبت بطولها ، معتدلة القامة ، لا انحناء في الظهر ولا تقوس في الكتفين . وقام بكري متحاملاً على نفسه وقام ود الريس يتكئ قليلاً على عصاه . وقام جدي من على فروة الصلاة وجلس على سريره ذي الأرجل القصيرة ، ونظرت إليهم ، ثلاثة شيوخ وامرأة شيخة ، ضحكوا برهة على حافة القبر . وفي غد يرحلون . غداً يصير الحفيد أباً والأب جد ، وتستمر القافلة .
ثم خرجوا . وقال لي ود الريس وهو يذهب : ( باكر يا أفندي تتغدى معانا ) ..
وتمدد جدي على سريره ، ثم ضحك ، وحده هذه المرة ، كأنما يؤكد إحساسه بالعزلة ، بعد أن ذهب الناس الذين يضحكونه ويضحكهم . وبعد فترة قال : ( هل تدري لماذا دعاك ود الريس للغداء ؟ فقلت له إننا أصدقاء وقد دعاني من قبل . فقال جدي : ( إنه يريد منك خدمة ) .
فقلت : ( ماذا يبغي ؟ ) .
قال : ( يبغي الزواج ) .
فتضاحكت وقلت لجدي : ( ما شأني بزواج ود الريس ؟ ) فقال جدي : ( إنت وكيل العروس ) . لذت بالصمت . فقال جدي وهو يظن أنني لم أفهم : ( ود الريس يريد أن يتزوج أرملة مصطفى سعيد ) . مرة أخرى لذت بالصمت ، فقال جدي : ( ود الريس لا يزال شاباً ، وهو صاحب مال . وعلى أي حال المرأة يلزم لها الستر . ثلاثة أعوام مرت على وفاة زوجها . ألا تريد الزواج أبداً ؟ ) . قلت له إنني لست مسؤولاً عنها ، أبوها موجود وإخوتها ، فلماذا لا يطلبها ود الريس منهم ؟ فقال جدي : ( البلد كلها تعرف أن مصطفى سعيد جعلك وصياً على زوجته وولديه ) . قلت له إنني وصي على الولدين ولكن المرأة حرة التصرف وأولياؤهم موجودون . فقال جدي : ( إنها تثق بكلامك . لو حدثتها فقد ترضى ) .
أحسست بغيظ حقيقي أدهشني ، إذ أن هذه الأشياء مألوفة في البلد . وقلت لجدي : ( أنها رفضت رجالاً أصغر منه سناً ، إنه يكبرها بأربعين عاماً ) . ولكن جدي أصر على أن ود الريس شاب وأنه ميسور الحال وأنه متأكد أن أباها لن يمانع ولكن المرأة نفسها قد ترفض ولذلك أرادوا أن يجعلونني واسطة خير ) .
حبس الغضب لساني فلذت بالصمت . وقفزت إلى ذهني صورتان فاضحتان في آن واحد . ولشدة عجبي ، اتحدت الصورتان في ذهني ، وتخيلت حسنة بنت محمود ، أرملة مصطفى سعيد ، هي المرأة نفسها في الحالتين فخذان بيضاوان مفتوحتان في لندن ، وامرأة تثن تحت ود الريس الكهل ، قبيل طلوع الفجر في قرية مغمورة الذكر عند منحنى النيل . إن كان ذلك شراً فهذا أيضاً شر ، وإن كان هذا ، مثل الموت والولادة وفيضان النيل . وحصاد القمح ، جزءاً من نظام الكون ، فقد كان ذلك أيضاً كذلك . وأتصور حسنة بنت محمود ، أرملة مصطفى سعيد ، في الثلاثين من العمر تبكي تحت ود الريس الذي بلغ السبعين ، ويتحول بكاؤها إلى قصص من قصص ود الريس المشهور عن نسائه الكثيرات ، يتندر بها رجال البلد ، فيزداد الغيظ في صدري ضراوة . ولم استطع البقاء فخرجت ، وسمعت جدي ينادي ورائي فلم التفت . وفي بيتنا سألني أبي عن سبب غضبي فحكيت له القصة . ضحك وقال : ( هل هذا شيء يثير الغضب ؟ ) .
قريباً من الساعة الرابعة بعد الظهر ذهبت إلى بيت مصطفى سعيد ، ودخلت من باب الحوش الكبير ، ونظرت برهة إلى اليسار إلى الغرفة المستطيلة من الطوب الأحمر . ساكنة ، لا كالمقبرة ، ولكن كسفينة ألقت مراسيها في عرض البحر . إنما الوقت لم يحن بعد . وأجلستني على كرسي في المصطبة أمام الديوان ، المكان عينه ، وجاءت لي بكوب من عصير الليمون . وجاء الولدان وسلما علي ، الأكبر محمود إسم أبيها ، والأصغر سعيد إسم أبيه . طفلان عاديان ، أحدهما في الثامنة وثانيهما في السابعة ، يركبان حماراً كل صباح إلى المدرسة على بعد ستة أميال . إنهما أمانة في عنقي ، ومن الأسباب التي تحضرني هنا كل عام أن أتفقد أحوالهما . سنختنهما هذه المرة ، وسنحضر المغنين والمداحين ونقيم إحتفالاً يكون ذكرى مضيئة من ذكريات طفولتهما . قال : ( جنبهما مشقة السفر ) . إنني لن أفعل شيئاً من هذا القبيل ، إذا أرادا ، حين يكبران ، أن يسافرا فليسافرا . كل أحد يبدأ ..
من أول الطريق ، والعالم في طفولة لا تنتهي .
انصرف الولدان وظلت هي واقفة أمامي . قامة ممشوقة تقرب من الطول ، ليست بدينة ولكنها ريانة ممتلئة كعود قصب السكر ، لا تضع حناء في قدميها ولا في يديها ، ولكن عطراً خفيفاً يفوح منها . شفتاها لعساوان طبيعة ، وأسنانها قوية بيضاء منتظمة . وجهها وسيم ، والعينان السوداوان الواسعتان يختلط فيهما الحزن والحياء . حين سلمت عليها أحسست بيدها ناعمة دافئة في يدي . امرأة نبيلة الوقفة ، أجنبية الحسن ، أم أنني أتخيل شيئاً ليس موجوداً حقيقة ؟ امرأة أحس حين ألقاها بالحرج والخطر ، فأهرب منها أسرع ما أستطيع . هذا هو القربان الذي يريد ود الريس أن يذبحه على حافة القبر ، ويرشي به الموت فيمهله عاماً أو عامين .
وظلت واقفة رغم إلحاحي ، ولم تجلس إلا حين قلت لها : ( إذا لم تجلسي سأذهب ) . بدأت الحديث بطيئاً متعسراً ، ومضى كذلك والشمس تنحدر نحو المغيب ، والهواء يبرد قليلاً قليلاً ، وقليلاً قليلاً أيضاً أخذت عقدة لساني تنحل وعقدة لسانها . وقلت لها شيئاً أضحكها وارتجف قلبي من عذوبة ضحكها . وانتشر دم المغيب فجأة في الأفق الغربي كدماء ملايين ماتوا في الحرب فجأة بالهزيمة ، ونزل ظلام كامل مستتب احتل الكون بأقطابه الأربعة ، وأضاع مني الحزن ..
والحياء الذي في عينيها . لم يبق إلا الصوت الذي دفأته الإلفة والعطر الخفيف كينبوع قد يجف في أي لحظة . وفجأة قلت لها : ( هل أحببت مصطفى سعيد ؟ ) .
لم تجب . وظللت برهة أنتظر ولكنها لم تجب . ثم أدركت أن الظلام والعطر كادا يخرجانني عن طوري وأن ذلك سؤال لا يسأل في ذلك الزمان وذلك المكان . ولكن الظلام ما لبث أن ثغر ثغرة نفذ منها صوتها إلى أذني :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wadbashir.yoo7.com
 
موسم الهجرة الي الشمال 3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسم الهجرة الي الشمال 5
» موسم الهجرة الي الشمال 4
» موسم الهجرة الي الشمال 1
» موسم الهجرة الي الشمال 2
» رابط منتدي ودبشير ارض الشمال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ودبشير ارض الشمال :: القسم الثاني اجتماعي :: المكتبة العامة-
انتقل الى: