Admin Admin
عدد المساهمات : 795 تاريخ التسجيل : 30/03/2012 العمر : 68 الموقع : wadbashir.2morpg.Com
| موضوع: دستور الفاروق القضائي السبت أبريل 18, 2015 5:18 pm | |
| دستور الفاروق القضائي
- اقتباس :
- تعد رسالة الخليفة عمر بن الخطاب إلى القاضي أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما دستور القضاء الأول في الإسلام،
فقد اشتملت على أبرز قواعد القضاء ومبادئه، وعلى أهم الضمانات التي تكفل المحاكمة العادلة بين الخصوم .
فقد كتب عمر (أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك بحجة، وأنفذ الحق إذا وضح، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك، البيّنة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، ومن ادعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه، فإن جاء ببيّنة أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطل الحق شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلود في حد أو مجرب عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة؛ فإن الله عز وجل تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان، ثم الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنة، اعرف الأمثال والأشباه ثم قايس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر للخصوم؛ فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر ويحسن به الذخر، فمن خلصت نيته في الحق ولو كان على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين لهم بما ليس في قلبه شانه الله، فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصاً، وما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام عليك” رواه البيهقي والدارقطني .
وقد فسر العالم الجليل ابن القيم هذه الرسالة وما تضمنته من ضمانات المحاكمة العادلة، ومنها: استناد الحكم إلى المبادئ القانونية والقوانين والتشريعات النافذة، وهي مستنتجة من قوله “القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة” أي أنه من العزائم التي لا تقبل النسخ، وأن أحكامه القطعية مفروضة واجبة التطبيق لاستنادها إلى القواعد الكلية التي أحكمها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، أما الأحكام والقواعد التي سنها صلى الله عليه وسلم فواجبة الاتباع لأنه مبلغ عن ربه عز وجل، (إعلام الموقعين186) .
صحة الفهم لما يدور في مجلس القضاء على لسان الخصوم أو وكلائهم من ادعاءات ودفوع وبينات، ويتضمنه قوله “فافهم إذا أدلي إليك بحجة” فالإدلاء هو ما يتوصل به إلى الحكم، فمعرفة المدعي من المدعى عليه مثلاً من أهم أسس القضاء العادل وصحة سير القاضي في إجراءاته، وصحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله سبحانه على عبده، فكيف بها عند القاضي الذي يفصل بين الناس ويرد إليهم حقوقهم؟ ويكون حسن الفهم عند القاضي بأمرين: الأول فهم الواقع وفقهه عن طريق الحقائق والبينات وعن طريق القرائن والعلامات، والثاني فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وهنا يكمن اجتهاد القاضي وبذل وسعه الذي يستحق عليه الأجر، (إعلام الموقعين 1/88) .
وجوب تنفيذ الحكم الصادر عن القاضي إذا اكتسب الدرجة القطعية، يؤخذ من قوله “وأنفذ الحق إذا وضح، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له” فولاية القاضي تكون بتنفيذ أحكامه، فإذا لم تنفذ كان ذلك عزلاً له عن ولايته، وفي ذلك تحريض من عمر على تنفيذ الحق لأنه لا قيمة للحكم ما لم يكن له قوة التنفيذ، (إعلام الموقعين 1/89) .
المدعي والمدعى عليه سواء أمام القاضي، ويتضمنها قوله “وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك” فإذا عدل القاضي في هذا بين الخصمين فهو عنوان عدله في القضية، أما إن خص أحدهما بالقيام له أو البشاشة في وجهه كان هذا عنوان حيفه وظلمه، وبذا يطمع القوي فيزيد بغياً وييأس الضعيف فيضيع الحق
-طرق الإثبات: وتعرف من قول عمر رضي الله عنه: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر) فعبء الإثبات يقع على المدعي، أما المدعى عليه فله دفع الادعاء الموجه ضده باليمين، فالبينة واليمين هما من طرق الإثبات بالتفاصيل الدقيقة المنصوص عليها في أصول المحاكمات وإجراءاتها، والبينة الدالة على الحق المدعى به إما شخصية بالشهادة المستكملة للعدد والشروط، وإما خطية خالية عن شوائب التزوير أو التصنيع، وبذا يكون حكم القاضي بالأدلة التي يترجح بها الحق ما لم تعارضها أدلة مثلها في القوة والرجحان، (إعلام الموقعين 1/103) .
- يجوز للقاضي عرض الصلح على الخصوم، وهذا وارد في قوله: (والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) وهذا من حديث نبوي رواه الترمذي وهذا نصه “الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً والمسلمون على شرطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً”، ومستنده قوله سبحانه وتعالى “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصلْحُ خَيْرٌ” (النساء 128)، وقوله عز وجل “وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا” (الحجرات 9) .
سلطة القاضي في تأجيل الحكم، مأخوذ من قوله: (ومن ادعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه، فإن جاء ببينة أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى)، وهذا من تمام العدل، فإن المدعي قد تكون حجته أو بينته غائبة فلو عجل عليه بالحكم بطل حقه، فإذا طلب أجلاً تحضر فيه حجته أجيب إليه حسب الحاجة، فإن ظهر للقاضي سوء نيته وأن قصده تعطيل إجراءات المحاكمة وتضليل العدالة فللقاضي ألا يؤجل لما فيه من إبطال للعدل وإنقاص له، (إعلام الموقعين 1/110) .
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، مستمدة من من قوله: (ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطل الحق شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) فإذا حكم القاضي في قضية ما بحكم محدد ثم وقعت له القضية ذاتها مرة أخرى فلا يمنعه الاجتهاد الأول من إعادته، لأن الاجتهاد يتغير إذا ظهر أنه الحق، فإن الحق أولى بالإيثار لأنه قديم لا يتغير، وروي أن عمر رضي الله عنه قضى في امرأة توفيت وتركت زوجها وأمها وأخويها لأبيها وأمها وأخويها لأمها فأشرك عمر بين الإخوة للأم والأب والإخوة للأم في الثلث، فقال له رجل إنك لم تشرك بينهم عام كذا وكذا قال عمر: تلك ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا اليوم فأخذ أمير المؤمنين في كلا الاجتهادين بما ظهر له أنه الحق ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني ولم ينقض الأول بالثاني، (إعلام الموقعين 1/111) .
- موجبات رد الشهادة، مأخوذة من قوله (والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلود في حد أو مجرب عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة؛ فإن الله عز وجل تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان)، فقد وصف الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بالخيرية والوسطية لتكون شاهدة على الناس جميعاً .
- اتباع القياس في الاجتهاد القضائي، يستنتج من قوله (اعرف الأمثال والأشباه ثم قايس الأمور عند ذلك ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق)، وهذا أكبر دليل على اعتبار القياس أحد أصول الشريعة ومصادرها لاستنتاج الأحكام والقضايا، ولا يستغني عنه فقيه أو قاضٍ أو حاكم .
| |
|