استجابة عثمان لدعوة الحق
نشأ الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في أسرة أموية تنتمي إلى أمية جد أبيه . وأميّة مؤسس
الأسرة الأموية، هو ابن عبد شمس، شقيق هاشم، مؤسس الأسرة الهاشمية، يقول المقريزي في تاريخه: “وقد كانت
المنافرة لا تزال بين بني هاشم وبني عبد شمس، بحيث إنه يقال إن هاشماً وعبد شمس ولدا توأمين، فخرج عبد شمس
في الولادة قبل هاشم، وقد لصقت إصبع أحدهما بجبهة الآخر، فلما نزعت دمي المكان، فقيل: سيكون بينهما أو بين
ولديهما دمٌ . فكان ذلك” .

إلى ذلك، كانت المنافرة شديدة بين أمية وهاشم . وقد بلغت أشدّها وقت ظهور الدعوة الإسلامية وظهور النبي الهاشمي
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم . ويذكر المؤرخون أن حرب بن أمية وعبد المطلب بن هاشم
تنافرا إلى حكمٍ من بني عدي القرشيين، هو نُفَيل جد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال نفيل لحرب: “أتنافر رجلاً
هو أطول منك قامةً، وأعظم منك هامةً، وأوسم منك وسامةً، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولداً وأجزل منك صفداً، وأطول
منك مذوداً” ويقول ابن الكلبي في كتابه الأنساب، في أبناء عبد المطلب: “كانوا إذا طافوا بالبيت يأخذون البصر” .
ورآهم عامر بن مالك فقال: “بهؤلاء تمنع مكة” وفي حلف الفضول قام بنو هاشم بالأمر . . وتخلى عنه بنو عبد شمس .
وحلف الفضول هذا، هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول . .
أما لو دعيت به اليوم لأجبت” .

إسلام عثمان

ولعل ما تقدم من النزاع بين أمية وهاشم، كافٍ للإبانة عن فضل عثمان رضي الله عنه في سبقه مع السابقين إلى قبول
دعوة النبي الهاشمي صلى الله عليه وسلم .

ونحن نعتقد أن فضل عثمان في إسلامه، كان لا يدانيه فضل أحد من السابقين إلى الإسلام . إذ لم يكن منهم من كانت بين
أسرته وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه المعاداة وهذا الشجار لا بل هذه الحواجز القديمة جداً من المنافسة والملاحاة،
كما كانت عداوة الأمويين للهاشميين حتى في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان عثمان، رضي الله، عنه يرى ذلك
بأم عينيه ويتألم .

فالحكم بن العاص عم عثمان، رضي الله، عنه كان يتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم ويشتمه ويمشي وراءه يقلده في مشيته
ويخلج بأنفه وفمه، وقيل إنه عليه السلام التفت إليه وهو بهذه الحالة، فلزمه ذلك الاختلاج . وقد لبث على دِخْلة نفسه بعد
إسلامه عام الفتح خوفاً من القتل، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم مرة فقال: “من عذيري من هذه الوزعة” ثم أمر ألاّ
يساكنه بالمدينة، فأخرج مع بنيه إلى الطائف لا يدخل المدينة ما أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم .

وروي في سبب إسلام عثمان رضي الله عنه أن أبا بكر شرح له قواعد الإسلام وهداية الدين الجديد . وأنس منه خشوعاً
وتفكيراً فقال له: “ويحك يا عثمان، والله إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل . ما هذه الأوثان التي تعبدها وقومك .
أليست حجارة لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟” فراجع عثمان رضي الله عنه نفسه وقال: “بلى والله إنها لكذلك”،
فدعاه أبو بكر إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولما التقاه قال له عليه الصلاة والسلام: “يا عثمان أجب الله إلى جنته” .
قال عثمان: “ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأن محمداً عبده ورسوله .
ثم لم ألبث أن تزوجت رقية” .

رواية ضعيفة

وبإمكاننا أن نتخيل ثورة قوم عثمان الأمويين، عليه بسبب إسلامه . خصوصاً وقد تبعه عدد جمّ من أسرته إلى الإسلام .
وربما كان كثير منهم يلوذون به خوفاً على أنفسهم بعد هزيمتهم . وما كان عثمان رضي الله عنه ليجد حرجاً في أن يتشفع
لهم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم ويسأله العفو عنهم . ومن المتواتر أن عثمان، رضي الله، عنه كانت له خالة اسمها
سعدى بنت كريز تتكهن، فلما رأت عثمان، رضي الله، عنه بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

أبشر وحييت ثلاثاً تترى
أباك خير ووقيت شراً

أنكحت والله حصاناً زهراً
وأنت بكر ولقيت بكراً

وافيتها بنتَ عظيم قدْراً
بنت نبيّ قد أشاد ذكراً

قال عثمان: “فعجبت من كلامها وسألتها: يا خالة! . . ما تقولين؟” قالت: “يا عثمان لك الجمال ولك اللسان . هذا نبي معه
البرهان . أرسله بحقه الديان . فاتبعه واهجر الأوثان” .

ومما لا شك فيه أن ما روي من كلام الكاهنة هو ضعيف السند، وما نظن أن رجلاً في الثلاثين من عمره، وهي سن
عثمان بن عفان، رضي الله عنه، عند إسلامه، كان يجرؤ أن يخرج على أهله وقومه جميعاً، ويطيع امرأة عجوزاً ويلبي
دعوتها للالتحاق بالرسالة النبوية الشريفة المعقودة للنبي الهاشمي، رغم معرفته ما بين بني أمية وبني هاشم من عداوة أو
منافرة تاريخية متجددة، لو لم يكن في ضميره باعث قوي ومطاع إلى الإيمان بالإسلام ونبذ ما عند أهله من أصنام .
وذلك لعمري مما يحسب من فضل لعثمان في إسلامه .